و لكنها عبارة مجملة و تتراوح بين الضعف المحتمل الذي يجعل حديث الراوي صالح للاعتبار و الضعف الشديد الذي لا يجعله كذلك , و كذلك عبارة " ليس حديثه بشيء" و هذه قالها ابن معين , و لكنها مجملة أيضا , و يمكن أن تكون محمولة على أن ليس حديثه بشيء يحتج به (!)، بل يكون حديثه عنده يكتب للاعتبار وللاستشهاد , و هناك أدلة عديدة من كلام النقاد على أن هذه العبارات مجملة.
هذا تدليس لا يجوز على الحذقة، أو هو عدم معرفة،
فإن من المزالق: النظر في عبارات الأئمة مفككة؛ كلَّ عبارة على حدة، والتمحّل في تخفيف شأن كل واحدة، ثم ردِّ دلالتها جميعًا.
وإنما يصح الحكم بالنظر في عباراتهم جميعًا، والتوليف بينها، ومعرفة مراد الإمام بعدم الاجتزاء من كلمته، أو بكلمةٍ له أخرى، أو بكلمات إخوانه من الأئمة، على ضوابط في ذلك.
ولننظر في كلماتهم في (محمد بن أبي حميد):
قال أحمد: أحاديثه مناكير،
وقال: ليس بقويٍّ في الحديث،
وقال ابن معين: ضعيفٌ ليس حديثه بشيء،
وقال: منكر الحديث،
وقال البخاري: منكر الحديث،
وقال أبو داود: ضعيف،
وقال النسائي: ليس بثقة،
وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث،
وقال أبو حاتم: منكر الحديث، ضعيف الحديث، مثل ابن أبي سبرة، ويزيد بن عياض، يروي عن الثقات المناكير،
وقال الدارقطني: ضعيف،
وذكره ابن البرقي فيمن كان الغالب على روايته الضعف.
إلخ.
فمن أين لهذا أن يقبل في الشواهد والمتابعات؟ وابن معين فسَّر قوله: " ليس حديثه بشيء " بقوله -قبلها، دون قطع العبارة-: " ضعيف "، وفي الرواية الأخرى: " منكر الحديث "،
ومن أوضح ما يفيد أنه مستحق الجرحَ الشديد وأن كلمات النقاد صدرت بعد تمحيص وتدقيق -سوى كلمة أحمد-: قول أبي حاتم: " منكر الحديث، ضعيف الحديث ... ، يروي عن الثقات المناكير "، بل جعله أبو حاتم مثل ابن أبي سبرة، وابن أبي سبرة متروك الحديث اتهمه الإمام أحمد بالكذب والوضع، ومثل يزيد بن عياض، وهذا كذَّبه الإمام مالك والنسائي، واتُّهم بالوضع، وتضافرت كلمات النقاد في شدة ضعفه.
وعدَّه ابن البرقي فيمن كان الغالب على روايته الضعف، والضعف إنما أصله التهمة أو الخطأ، ومن كان الغالب عليه ذلك فلا يستشهد به، ولا يعتدّ بروايته.
بل قد نصَّ ابن حبان على روايته عن عمرو بن شعيب في صدر ترجمته في موضعين من المجروحين، فأشعر أنه يروي المناكير عن عمروٍ خاصة، وأن الحكم بجرحه يحصل برواياته عنه، ومن ذلك روايته هذه.
إضافة إلى حكم الإمام الدارقطني بتفرد هذا الراوي عن عمرو بن شعيب بهذه السلسلة الشهيرة، التي تكاثر الرواة على روايتها عنه، ولا أدري لمَ لم يروِ هذا الحديث إلا هذا الراوي.
وإذا لم يكن التمحّل الحكم بقوة هذا الراوي للاستشهاد في هذا الموضع من رواياته، فلا تمحّل.
ثم أغمض عينيه عن هذا كله، وذهب إلى كلمة ابن عدي، وجعلها مفسرة، بعد أن دلَّس بأن كلمات النقاد مجملة!
وكلمات النقاد أوضح من كلمة ابن عدي، وهم أقرب للراوي وأقوى نظرًا وأوسع اطلاعًا في حديثه، وهم يحكمون على أحاديثه بأنها مناكير، ويجعلونه في منزلة المتروكين ونحوهم، وابن عدي خفيف العبارة في الجرح -يعرف ذلك الناظر دون كثير تأمل-.
ثم قال أخونا:
و بذلك يكون حديثه صالح للاعتبار و إنما يستنكر إذا تفرد بالحديث و لم يأت من وجوه أخرى , و ليس الأمر كذلك هنا بل حديثه روي من وجوه أخرى صالحة للشهادة سيأتي بيانها.
وهو هنا ينفي التفرد عن رواية ابن أبي حميد بالروايات الأخرى، وينفي التفرد عن الروايات الأخرى -كما سيأتي- برواية ابن أبي حميد!
وهذا دور، والتفرد واقع من ابن أبي حميد عن عمرو بن شعيب، وقد حكم به إمام الصنعة أبو الحسن الدارقطني، وكفى به.
والتفرد من الضعفاء -بله أصحاب المناكير- منكر لا يفيد عضدًا، ولا يستفيد اعتضادًا.
وفي حديث علي بن أبي طالب:
الطريق الأول: حديث موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله عن علي رضي الله عنه , و هذا فيه موسى بن عبيدة و ضعفه محتمل و يكتب حديثه و يصلح للاعتبار , و قد قال فيه ابن معين: (ضعيف إلا انه يكتب من أحاديثه الرقاق) ,
وهذا انتقاء آخر من كلمات الأئمة،
¥