وقد روى موسى بن عبيدة مناكير عن عبدالله بن دينار، فضعَّفه الأئمة بسببها، ويعضهم أنكر حديثه عن ابن دينار فحسب، وأطلق الأكثرون ضعفه، بل جاء عن أحمد أنه لم يُجِز الرواية عنه، وصرَّح في روايةٍ بالنهي عن كتابة حديثه. ويضيق المقام عن التوسّع في نقل ذلك، وهو معروف في مظانّه.
وقال يعقوب بن شيبة فيه: " صدوق، ضعيف الحديث جدًّا، ومن الناس من لا يكتب حديثه لوهائه وضعفه وكثرة اختلاطه، وكان من أهل الصدق "، وأوضِحْ بهذا الكلام دلالةً على ضعف حديث موسى جدًّا عند يعقوب بن شيبة -هذا الإمام المدقِّق الممحِّص-، ونكارة أحاديثه عند جماعة من النقاد، وعدم الاعتبار بها؛ لوهاء حديثه، وضعفه، وكثرة اختلاطه!
وقد أخرج ابن عدي من مناكيره حديثين له عن أخيه عبدالله، وكلاهما في الفضائل والرقاق،
وأخرج من مناكيره عن عبدالله بن دينار، وعن نافع، وعن محمد بن ثابت، وعن إياس بن سلمة بن الأكوع، وعن غيرهم، وفيها غير واحد في الفضائل والرقاق، ثم قال: " وهذه الأحاديث التي ذكرتها لموسى بن عبيدة بأسانيدها مختلفة عامتها مما ينفرد بها من يرويها عنه، وعامتها متونها غير محفوظة، وله غير ما ذكرت من الحديث، والضعف على رواياته بيِّن "،
وهذا يبين أن الكلام في موسى بن عبيدة ليس خاصًّا في رواياته عن عبدالله بن دينار، وأنه ليس خفيفًا بالقدر الذي نحكم عليه بأن: " ضعفه محتمل ويكتب حديثه ويصلح للاعتبار "، وأن هذا تمحّل وتعنت لإثبات قوة الحديث، وأن ابن عدي -على خفة عبارته في الجرح كما سبق- لم يقوِّ موسى أو يقل بصلاحيته للاعتبار.
بل إن بعض الأئمة أنكر حديث عبدالله بن عبيدة أخا موسى، ولم يشتغل به، وإنما العلة من موسى:
قال أحمد: " موسى بن عبيدة وأخوه لا يشتغل بهما "، وقال ابن معين: " حديثهما ضعيف "، وقال مرةً في كليهما: " ليس بشيء "، وقال ابن حبان في عبدالله: " ... روى عنه أخوه موسى بن عبيدة، منكر الحديث جدًّا، فلست أدري السبب الواقع في أخباره من عبد الله أو من أخيه؛ لأن أخاه موسى ليس بشيء في الحديث، وليس له راوٍ غيره، فمن هنا اشتبه أمره، ووجب تركه ".
فبان أن روايات موسى عن أخيه منكرة -بل هي عند ابن حبان: منكرة جدًّا-، لا يشتغل بها، وهي التي سببت الكلام في عبدالله بن عبيدة، مع أنه بريء من عهدتها -في رأي أئمة آخرين-.
ثم لم يلتفت أخونا إلى علة الانقطاع بين عبدالله بن عبيدة وعلي بن أبي طالب، وهي مما يزيد هذا السند وهاء إلى وهائه.
ملاحظة: لا يقل قائل: لمَ قوّيت أقوال الأئمة هناك على قول ابن عدي، وأخذتَ تعتمد عليه هنا، فإنه لا شك أنه ليس من شرط العالِم أن يصيب في كل موضع.
الطريق الثاني: قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين عن علي رضي الله عنه , و ما قيل في موسى يقال في قيس حيث أن ضعفه محتمل و يصلح للاعتبار , و ما قيل عن اضطرابه يزول بموافقة متن رواية عفان لباقي الروايات الصالحة للاعتبار.
ووجه التمحّل هنا: إقدامه على تخطئة ثلاثة لا شك في أن كل واحد منهم أقوى من قيس بن الربيع: عبدالصمد بن النعمان، وعلي بن ثابت، وعبيدالله بن موسى= من أجل إثبات ما يذهب إليه!
وأضف إليهم: الحسن بن عطية.
ويعرف طالب الحديث أن الاختلاف على الضعيف إن كان متقاربًا أو متساويًا فلا مناص من تحميله الاضطراب والاختلاف،
وظاهر هنا التقارب الشديد بين الوجهين، فأحدهما رواه الحافظ عفان بن مسلم، والآخر اجتمع عليه أربعة من الرواة الثقات، فلا إشكال حينئذٍ في تحميل الخطأ شيخهم الضعيف قيس بن الربيع.
بل وقفت على أكثر من ذلك: فقد أخرج البيهقي الحديث من طريق عفان نفسِه باللفظ الذي رواه الجماعة عن قيس بن الربيع،
فإن خطَّأنا الرواية الأولى عن عفان؛ فليس في روايته -إذن- الدعاء الذي ورد في الأحاديث والمراسيل الأخرى، بل هو دعاء آخر يحكم عليه بما يستحقه،
وإن خطَّأنا الرواية الثانية؛ فهو اضطراب من قيس -كما سبق شرحه-،
وإن صححنا الروايتين عن عفان؛ فهذا أظهر في اضطراب قيس، إذ يروي الحديثَ عنه أحدُ الحفاظ على وجهين في المتن بإسناد واحد، وقيس ممن لا يُحتمل منه ذلك. ومعلومٌ أن اضطراب الضعيف دالٌّ على نكارة وخطأ وعدم ضبط، فلا ينظر في ذلك ولا يشتغل به.
ثالثا: حديث المسور بن مخرمة , و فيه أبو معشر نجيح بن عبدالرحمن و هو ضعيف ليس بالقوي , و ضعفه ليس بالشديد و يعتبر بحديثه , و هذا الصنف من الرواة كما ذكرت سابقا لا يستنكر حديثه إذا روى ما جاء من وجوه أخرى صالحة للاعتبار و لم يتفرد بما لا أصل له من غير طريقه , و كذلك لم يتفرد عن أحد من الأئمة الكبار المشاهير الذين يدور عليهم الحديث مثل الزهري و لم يقم الدليل على وقوعه في الخطأ أو الوهم.
أما بالنسية لعدم ثبوت سماع أبي بكر بن عبد الرحمن من جده المسور بن مخرمة فلا يسقط الرواية , لأن السقط إن كان قد وقع فهو في طبقة التابعين , و بالتالي فهي لا زالت صالحة للاعتبار.
لم يلتفت الأخ هنا إلى قضية التفرد في الطبقات المتأخرة -وهي إحدى مضايق الفهم السليم لمنهج الأئمة المتقدمين-.
فتفرد ابن مردويه بهذا الإسناد لهذا الحديث تفردًا تامًّا، وعدم وجدان هذا الإسناد في الطبقات المتقدمة= يفيد نكارة الرواية وخطأها، وقد شرح ذلك الإمام الذهبي وغيره، بل ردُّوا تفردات في طبقات أعلى من طبقة ابن مردويه.
وحاصل الأمر أن المرفوعات مناكير لا تحتمل الاعتضاد أو التعضيد، ولو احتملت لما صحَّ العدول عن التقوية بها إلى إهمالها.
وأحمد الله أن هذا الحكم موافق لحكم بعض الأئمة المتقدمين، ومساير لمنهجهم، ومفيد صحة فهم كلماتهم وتصرفاتهم.
فالحمد لله وحده، وهو أعلم -تعالى-.
¥