ـ[أيمن صلاح]ــــــــ[03 - 12 - 08, 03:25 م]ـ
بارك الله في الجميع , أخي الكريم عبد المجيد , قول البخاري في الراوي (منكر الحديث) لا يختلف عن غيره من النقاد.
قال الشيخ الجديع في تحرير علوم الحديث:
(تفسير قول البخاري في الراوي: " منكر الحديث ":
حكى أبو الحسن القطان عن البخاري أنه قال في كتابه " الأوسط ": " كل من قلت فيه: منكر الحديث؛ فلا تحل الرواية عنه ".
هذا النص عن البخاري وجدت من يذكره يعزوه لابن القطان، ولم أجد له ذكراً فيما في أيدينا من مصنَّفَات البخاري، ولما فيه من الشِّدَّة ألحق في رأي بعض متأخري المحدثين بأسوأ مراتب التجريح.
والذي وجدته بالتتبُّع أن استعمال البخاري لهذه اللفظة لا يختلف عن استعمال من سبقه أو لحقه من علماء الحديث، فهو إنما يقول ذلك في حقِّ من غلبت النكارة على حديثه، أو استحكمت من جميعه، وربما حكم عليه غيره بمثل حُكمه، وربَّما وصف بكونه (متروك الحديث)، وربما اتُّهم بالكذب، وربما وصف بمجرد الضعف، وربما قال ذلك البخاري في الراوي المجهول الذي لم يرو إلا الحديث الواحد المنكر.
وهذه أمثلة متفاوتة من الرواة لذلك:
قال البخاري في (إسحاق بن نجيح الملطي): " منكر الحديث "، وهذا رجل معروف بالكذب ووضع الحديث عندهم، ومثله ممن لا تحل الراوية عنه إلاَّ للبيان.
وقالها في (ثابت بن زهير أبي زهير)، وهكذا جاءت عبارات غيره على الموافقة لما قال لفظاً أو معنى , وقال ابن عدي: " كل أحاديثه تُخالفُ الثقات في أسانيدها ومتونها "، ومنهم من قال: " متروك الحديث ".
وقالها في (جُميع بن ثُوب الرَّحبيِّ)، وقال ابن عدي: " عامَّةُ أحاديثه مناكير، كما ذكره البخاري ".
قلت: وهذا من ابن عدي تفسير ظاهر لمراد البخاري بهذه اللفظة، والتي تؤكد ما ذكرته آنفاً أنَّه مراد أئمة الشأن.
وقالها البخاري في (إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة)، ولم يقله غير ممن سبقه، بل قال أحمد بن حنبل: " ثقة "، وقال ابن معين: " صالح "، لكن وافقه عليه من أقرانه أبو حاتم الرازي، وفسَّره فقال: " شيخ ليس بقوي، يكتب حديثه، ولا يُحتج به، منكر الحديث "، فكأنه يقول: له أحاديث مناكير، ولم يغلب ذلك على حديثه إلى درجة أنه صار لا تحل الراوية عنه.
وهذا ابن عدي يقول بعدما حرَّر مروياته: " له غير ما ذكرته من الأحاديث، ولم أجد له أوحش من هذه الأحاديث، وهو صالح في باب الرواية، كما حكي عن يحيى بن معين، ويكتب حديثه مع ضعفه ".
قلت: وكان البخاري قال مرة: " عنده مناكير "، وهذه أظهر في أمره من الإطلاق المتقدِّم، لكن دل هذا على أن تلك العبارة من البخاري لا تعني دائماً أن يكون الراوي الموصوف بذلك ينزَّل منزلة المتروك الساقط، والذي هو مقتضى عبارة: " لا تحل الرواية عنه ".
وقالها البخاري في (عبد الله بن خالد بن سلمة المخزومي)، وكذلك قال أبو حاتم الرازي، وفسر أمره ابن عدي، فقال: " ليس به من الحديث إلا اليسير، ولعله لا يروي عنه غير محمد بن عقبة ".
ومن بابه (عبد الله بن المؤمل المخزومي)، قال أبو داود: " منكر الحديث "، وكان قليل الحديث، كما بين ذلك ابن حبان فقال: " قليل الحديث، منكر الرواية، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد؛ لأنه لم يتبين عندنا عدالته فيقبل ما انفرد به، وذاك أنه قليل الحديث، لم يتهيأ اعتبار حديثه بحديث غيره لقلته، فيحكم له بالعدالة أو الجرح، ولا يتهيأ إطلاق العدالة على من ليس نعرفه بها يقيناً فيقبل ما انفرد به، فعسى نحل الحرام ونحرم الحرام برواية من ليس بعدل، أو نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل اعتماداً منها على رواية من ليس بعدل عندناً، كما لا يتهيأ إطلاق الجرح على من ليس يستحقه ".
قلت: وفي هذا بقاء على أصل استعمال هذه اللفظة فيمن لم يرو إلا المنكر أو غلب ذلك على حديثه، فهذا وإن لم يرو إلا اليسير، لكن جميعُ ذلك منكر، فصح أن يكون (منكر الحديث)، وهذا جرح له بالنظر إلى مروياته دون حاله.)
و لا أدري لماذا نذهب بعيدا و قد قال الإمام الترمذي عن محمد بن أبي حميد:
(حماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد و هو أبو إبراهيم الأنصاري المديني و ليس هوبالقوي عند أهل الحديث)
و هذه عبارة تليين تفيد أنه يكتب حديثه و يعتبر به.
و هذا هو فهم الإمام الترمذي - و هو من المتقدمين - لكلام غيره من النقاد بما فيهم شيخه البخاري و هو أدرى به و بمصطلحاته , و هو معاصر لهؤلاء الأئمة أو قريب منهم و أدرى منا بمقصودهم , و لا يجوز لنا بعد ذلك أن نصدق قول معاصر أنه ضعيف جدا و لا يعتبر بحديثه!!!.
و أما بالنسبة لقولك:
(وعد لقراءة ما سبق بتمعن ففيه إزالة لكثير منالإشكالات التأصيلية عندك)
فأرى أخي أن الإشكالات التأصيلية عندك أنت و منها أنك لونت بالأحمر العديد من العبارات التي تفيد أن محمد بن أبي حميد لا يحتج بحديثه , و هذا ليس محل خلاف , فالخلاف هل ضعفه محتمل و يعتبر بحديثه أم ضعفه شديد و لا يصلح حديثه للاعتبار.
فهناك ثلاثة مراتب للرواة: المرتبة الأولى و هي الإحتجاج و المرتبة الثانية و هي الإعتبار و المرتبة الثالثة و هي السقوط , و يبدو أنك لم تنتبه للمرتبة الثانية , و الله أعلم.
و المرتبة الثانية قد يقول فيها الناقد أن الراوي يكتب حديثه.
و الثالثة لا يكتب حديثه.
و الإعتبار يفيد في تقوية الأحاديث الضعيفة ببعضها لتصل لمرتبة الحسن لغيره.
¥