تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

2 - المثال الثاني عبارة (فيه نظر) فهي تختلف من إمام لآخر فعند بعضهم على ظاهرها، وعند آخرين عبارة جرح بل في غاية الجرح كما هي عند البخاري وقد عرف النقاد أنها عبارة جرح من خلال الاستقراء التام لكلام البخاري، فإنهم وجدوا أنه يقولها في الرجل الضعيف أو المتروك، ولا يظن أن البخاري يقصد بالعبارة ظاهرها وهو خبير الصنعة، وإلا للزم أن يكون كثيرا من الرواة يحتاجون إلى نظر عنده، وهذا ليس بصحيح، فلا يظن في البخاري أنه يجهل حال ذلك الراوي، ولو قيلت في واحد لأمكن أن نقول بأن هذه العبارة توحي بأن البخاري متوقف فيه، ويحتاج إلى بحث ونظر فيه، ولكن جملة كبيرة من الراوة قال فيهم (فيه نظر)، ولما نظرنا في كلام أقرانه من الأئمة (وليس من بعدهم) وجدناه يقصد تضعيفه أو أنه في المراتب الدنيا من الضعف كما قال ابن كثير: في " اختصار علوم الحديث " (ص 118 تحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله): " إذ قال البخاري في الرجل: " سكتوا عنه "، أو " فيه نظر "، فإنه يكون في أدنى المنازل و أردئها عنده، و لكنه لطيف العبارة في التجريح، فليعلم ذلك "، وقال اللكنوي: " قول البخاري في حق أحد من الرواة: " فيه نظر " يدل على أنه متهم عنده، ولا كذلك عند غيره)، وقال الذهبي في السير: (حتى أنه قال-أي البخاري-: إذا قلت: فلان في حديثه نظر فهو متهم واه)، وقال العراقي في شرح " ألفيته ": فلان فيه نظر، وفلان سكتوا عنه: هاتان العبارتان يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه، انتهى.

قلت: إذن فماذا تكون إذا قال: (منكر الحديث)، وإنما عرف أولئك ذلك من خلال الاستقرار التام لكلام البخاري، ولا شك أنهم أهل بأن يجزموا بمثل ما قالوا، ويصدقوا فيه فهم حفاظ مطلعون لايقارنون بكثير ممن أتى بعدهم فضلا عن معاصرينا، فإذا كان البخاري رحمه الله يقصد بمثل عبارة: (فيه النظر) كما قالوا، فكيف إذا قال (منكر الحديث) كما هي الحال بالنسبة لحماد بن أبي حميد، فهي بلاشك أنها أشد جرحاً من (فيه نظر)، ولا يماري فيه إلا مكابر، فإذا كان (فيه نظر) في أدنى مراتب الضعف، وأنه متروك كما قال العراقي (أي شديد الضعف) إذن (فمنكر الحديث) بمنزلة الساقط الذي لاعتبار بحديثه بل جزم أحمد شاكر أنها بمنزلة (الكذاب)، وهي أدنى مراتب الجرح كما يقول الخطيب البغدادي، قال أحمد شاكر: " و كذلك قوله- أي البخاري-: " منكر الحديث " فإنه يريد الكذابين)، وكذا قال الألباني في إرواء الغليل معلقاً على كلمة البخاري (وهذه صفة المتهمين والكذابين) وكلام الشيخ أحمد شاكر والألباني ليس ببعيد فإني وجدت جملة كبيرة ممن قال فيهم البخاري (منكر الحديث) وجدتهم اتهموا بالكذب، وقد ذكرت أنت منها بعض الأمثلة، وهي حجة عليك، وأزيد منهم (مروان بن سالم الشامي) قال فيه (منكر الحديث)، ولذلك رد الألباني حديثه " مثل الذي يتعلم العلم في صغره كالنقش في الحجر، و مثل الذي يتعلم العلم في كبره كالذي يكتب على الماء " وقال الألباني عنده كلاماً جميلاً يصلح لك أخي فيما نحن فيه نتناقش قال "ولذلك فإن الاقتصار على تضعيف الرجل قصور، و كذا الاقتصار على تضعيف حديثه، فإنه يفتح الباب لمن لا علم عنده أن يستشهد به، مع أنه من المتفق عليه أن الحديث إذا اشتد ضعفه لا يجوز أن يستشهد به. وأنا أرى أن هذا الحديث موضوع، لأن ابن سالم هذا متهم كما يشير إلى ذلك قول البخاري فيه: " منكر الحديث ". فلاحظ أن الألباني رفض قبول الاستشهاد به مع أن للحديث شاهداً آخر ولم يقبله، لأجل أن البخاري قال فيه: (منكر الحديث)، فلم يصلح للاستشهاد به، وراوينا (حماد بن أبي حميد) اتفق كبار الحفاظ المتقدمين على نكارته، فلماذا نتمحل في الاستشهاد والاعتبار به فتنبه، وإني أعجب بعد هذا أن تصر أخي أيمن أن البخاري وغيره لا يضعفون حماداً (التضعيف الشديد)، وقد بين لنا الأئمة مراده كما بين هو مراده، قال السبكي في طبقاته عن البخاري" قلت وأبلغ تضعيفه قوله في المجروح منكر الحديث"، فإذا كان بمنزلة الواه الكذاب والمتروك عند البخاري فهو ساقط الحديث لايصلح للاعتبار (أي في المرتبة الثالثة) لا في الثانية تزعم، وتحاول إقناعنا بكثير من الأمثلة المستطردة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير