تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانياً: أما عبارة البخاري (كل من قلت فيه: منكر الحديث فلا تحل الرواية عنه) فهي في ميزان الاعتدال " للذهبي (ج 1 ص 5): نقلها ابن القطان عنه كما تفضلت، وقال ابن حجر في اللسان معقباً: (وهذا القول مروي بإسناد صحيح عن عبد السلام بن احمد الخفاف عن البخاري)، ولا شك أن ابن حجر أعلم من ومنك وممن أتى بعده بهذه الأمور، ولا يلزم أن يذكر البخاري ذلك في كتبه، بل ولا يلزم أن يثبت بالسند المتصل الصحيح عنه، بل نص شيخنا عبد الله السعد أنه لاينبغي التعامل مع كلام التابعين والأئمة بعدهم بالطريقة التي نتعامل بها مع الأحاديث النبوية من حيث خضوعها لضوابط الجرح والتعديل، ودراسة الإسناد، واشتراط العدالة والضبط، والثقة ونحو ذلك، فكلام التابعين ومن بعدهم أهون بكثير، ولا تخضع لتلك الضوابط، فتنبه، ثم إن هذه العبارة مشتهرة بين الحفاظ والنقاد عن البخاري كما يقول الألباني رحمه الله، فلسنا بحاجة إلى التفلسف لإثباتها، والتشكيك فيها.

وأقول: لو لم تثبت تلك العبارة عنه فإن الواقع يصدقه كما يعرف ذلك من استقرأ كلام البخاري رحمه الله تعالى، نص على ذلك العراقي وابن كثير والسبكي والذهبي وغيرهم، كما قرأت.

ثالثاً: لا أدري متى صار جديع مرجعاً يعول عليه في هذا الفن ويعتمد، ويقرن بالشيخ المحدث عبد الله السعد، مع علمنا جميعا الاختلاف الكبير بينهما في المنهج، ويبدو أنك تنتحل منهجه والله أعلم، أما شيخنا عبد الله السعد فليس ما تقرره هو منهجه، وإن حسن الشيخ الحديث كما تزعم، ويبقى الأمر اختلاف رأي في الحديث كما يختلف العلماء في المسائل الفقهية، ولا مزيد على هذه العبارة خشية الوقوع في محذور الإفراط والتفريط، وتنقص الآخرين، والحر تكفيه الإشارة.

رابعاً: من المهم أن تعرف مراتب التجريح، ومتى يكون الراوي صالحا للإعتبار ومتى لا يكون، فقولُهُم: كذاب أو متْروكٌ، أَو ساقِطٌ، أو فاحِشُ الغَلَطِ، أَو مُنْكَرُ الحَديثِ، أَشدُّ مِن قولِهم، ضعيفٌ، أَو ليسَ بالقويِّ، أَو فيهِ مقالٌ، وأحيلك في هذا إلى تدريب الرواي وغيره لتستذكر معلوماتك في هذا الموضوع، ولترى أن حماداً ينزل منزلة من لايعتبر بحديثه.

خامساً: لا يلزم من اختلاف عبارات الأئمة في الراوي مثل: (منكر الحديث)، (ضعيف) (متروك)، (لا يحتج به)، أن تكون مفسرة لكلام بعضهم بعضاً حمل عبارات بعضهم على بعض ظلم واعتداء؛ لأنه من المقرر أن لكل إمام اصطلاحه الخاص، ومقصده العام، ولكن تحمل عباراتهم على اختلاف الرأي بينهم في الراوي، فبعضهم يرى أنه ضعفه يسير، وآخر أنه شديد، وثالث، يرى أنه ساقط متروك، فلا يجوز حمل المتروك عند إمام على أن قصده الضعف اليسير بسبب أن الإمام الآخر قال هو (ضعيف) فهذا تحكم، فلماذا لاتحمل من ضعفه على أن قصده (متروك وساقط) أيضاً، وهذا من أكبر الأخطاء المنهجية التي ألاحظ أنك ترتكبها، وبهذا أكون أجبت عن كثير من كلامك وأمثلتك التي تورها بأقصر عبارة وأوجزها، وبدون مناقشة كل واحد على حدة فتنبه، والحر تكفيه الإشارة.

سادساً: عبارة (ليس بالقوي) يجب أن تعرف أنها ليست على درجة واحد عند الأئمة فهي عند أبي حاتم غير ما هي عند أحمد غير ما هي عند البخاري، وغير ما هي عند الترمذي، وغيرهم. كما قرر ذلك الذهبي في الموقظة، وإن كانت كتب المصطلح تجعل عبارة (ليس بالقوي) بمنزلة (الضعيف) ويعتبر به عند بعضهم، لكن هذا ليس على إطلاقه كما قررته لك مراراً؛ لأن الأئمة يختلفون من حيث التشدد والاعتدال والتوسط، ولكل واحد اصطلاحه، وما زال العلماء يتوسعون في هذه المراتب،

وأما عبارة الترمذي (ليس بالقوي)، فإنه يتجوز فيها، ولا يلزم أن تكون تفسيراً لمراد البخاري بـ (بمنكر الحديث)، وأنها بمنزلة الضعيف فقط، والدليل على ذلك أنه قال في رواة (ليس بالقوي)، مع أن كبار النقاد على تركه أو تكذيبه، وسأضرب لك بعض الأمثلة مع كثرة أشغالي:

1 - قال الترمذي عن خارجة بن مصعب (ليس بالقوي)، قال عنه أحمد لا يكتب حديثه، وقال مرة متروك الحديث، وقال ابن معين مرة (كذاب)، وقال البخاري نفسه (تركه ابن المبارك ووكيع)، وهذا من لطيف عبارته فهو يوافهم بطريق غير مباشر، والكلام عليه كثير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير