إن في كتاب التحرير هذا منافع جمة وفوائد مهمة ومحاسن مكملة لمحاسن أصله - أعني تقريب التهذيب - وسادة لنقصه، وقد ذكر طائفة منها المصنفان في مقدمتهما التي نقلت قبل قليل بعضها؛ وأقول لمن بخس هذا الكتاب حقه بسبب ما رأى فيه من كثرة المخالفة لما يذهب اليه هو – أو لما ذهب اليه ابن حجر -: مهلاً، فإنه لا يشترط لقبول الكتاب وارتضائه أن يكون كل ما فيه صواباً ولا معظمه، ثم لعل كثيراً من الذي تنتقده على صاحبي هذا الكتاب من مسائل الاجتهاد يكون الحق فيه معهما لا معك، والمنصف من ينظر الى صواب المجتهد اجتهاداً مستقيماً مشروعاً فيقبله منه ويشكره عليه، ويغض طرفه عن خطئه ويعتذر له فيه.
وأما كثرة مخالفتهما لابن حجر فليس دليلاً على ضعف كتابهما، فليس يمنع من نقد كتاب ابن حجر وكثرة مخالفته في أحكامه شهرة هذا الكتاب ولا كثرة اعتماد المشتغلين بالحديث عليه، ولا سعة اطلاع ابن حجر وتفوقه في هذا الفن، ولا تقدم زمانه وتأخر ناقده، فالخطأ لا يجعله صحيحاً تقدم قائله وعلو شأنه، والحق لا يبطله تأخر قائله في رتبته أو زمانه، والدليل هو الحَكَمُ المرجوع اليه عند المنصفين.
وأقول لمن خشي أن مثل هذا الكتاب يفتح أبوابا من الاضطراب العلمي، أو خاف ان تغير احكام بعض الاحاديث: لعلك عكست الأمر، فإن النقد العلمي المتين للاحاديث ورواتها من ثمراته أن يفتح أبواباً من الاجتهاد النافع المؤدي الى تصحيح الاوهام وتحقيق المسائل، وكلما كثر الاجتهاد المشروع انتشر بإذن الله الصواب واندثر الخطأ وانحسر التقليد.
إن مصنفي الكتاب انتقدا بقولهما وبمعنى صنيعهما جمود اكثر المتأخرين على تقليد ذلك الكتاب، ومن شأن مثل هذا الصنيع انه يطرّق لانواع من الاجتهاد العلمي والدراسات المتينة في الجرح والتعديل، فان حصل ذلك يكن له باذن الله اثر طيب على هذا الفن.
هذا دفاع مجمل عن هذا الكتاب وإشارة إلى أهم فوائده في الجملة وأما فوائده على التفصيل فكثيرة أذكر أهمها فيما يأتي.
1 - أنهما حكما على الطائفة اليسيرة التي اغفل الحكم عليها ابن حجر في كتابه، وأيضاً جزما بجميع أو معظم الأحكام والمسائل التي تردد هو فيها؛ وكانا مصيبين في كثير من ذلك.
2 - أنهما بينا خصائص وعادات ومنازل جماعة من علماء الجرح والتعديل، وذكرا بعض القواعد الصحيحة المهمة، وطائفة من الضوابط والفوائد والتنبيهات.
3 - أنهما أصلحا جملة كثيرة من أخطاء ابن حجر وتساهلاته في الاحكام والترجيحات والاختيارات.
4 - أن موافقتهما لابن حجر فيما وافقاه عليه من أحكامه وأقواله تزيد الثقة بها والاطمئنان إليها.
5 - أنهما – بحسب دعواهما - صححا معظم أوهام ابن حجر في الأسماء وفي ضبطها وفي رموز الكتب وفي مسائل أخرى كثيرة في الكتاب؛ وحققا النص بمقابلته على (تهذيب الكمال) ونسختين خطيتين من (التقريب)، إحداهما بخط المصنف، وضبطا بالشكل كثيراً من الأسماء والكنى والأنساب، وعُنيا باصلاح الرقوم (أي الرموز) التي وقع فيها خطأ في الطبعات التي سبقت طبعتهما، وعلقا في الهامش على بعض الأوهام التي وقع فيها المؤلف في ضبط الأسماء أو في ذكر الوفيات أو الطبقات أو نحوها، حتى أصبح الكتاب من أحسن طبعات (تقريب التهذيب).
6 - أنهما نقلا من حاشية (تهذيب الكمال) زبدة ما فيها من الزيادات والاستدراكات والتعقبات على المزي وابن حجر.
7 - أنهما في الغالب يذكران عندما يخالفان ابن حجر مستندهما من القواعد وأقوال الأئمة والاستقراء وغيرها من الأمور التي يريانها تؤيد ما يذهبان إليه أو ترجحه أو توهن ما يذهب إليه ابن حجر، ولا شك أن ذكر تلك المستندات ييسر على الطالب البصير الوقوف عليها والنظر فيها ليرى في الراوي - أو في تلك المسألة المختلف فيها - رأيه.
8 - أنهما صرفا في كثير من المواضع عناية خاصة لمن اخرج لهم الشيخان وتكلم فيهم بعض من تكلم، وبينا جهة إخراجهما لذلك المتكلم فيه، أأخرجا له على سبيل الاحتجاج أم استشهاداً أم متابعةً أم مقروناً، وهل أكثرا عنه أو أقلا؟ وفي أي الأبواب خرجا له؟ وهي مسألة غاية في الأهمية كما قالا (1/ 47).
¥