[نبذة لطيفة في منهج ابن الجوزي في نقد الأحاديث ورواتها]
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[06 - 12 - 05, 03:23 م]ـ
انتقد ابن الجوزي (ت 597هـ) بمسارعته إلى الحكم بالوضع على الأحاديث، وهذا داخل في باب التشدد في نقد الأحاديث الضعيفة والمتروكة، وقد سماه ابن حجر في بعض عباراته تساهلاً، ويريد به التساهل والتسرع في وصف الحديث بأنه موضوع ولو كان ضعيفاً أو ضعيفاً جداً ولم ينزل إلى درجة الموضوع.
قال ابن حجر في (النكت) (2/ 848 - 850): «وقال العلائي: دخلت على ابن الجوزي الآفة من التوسع في الحكم بالوضع لأن مستنده في غالب ذلك بضعف راويه. قلت: وقد يعتمد على غيره من الأئمة في الحكم على بعض الأحاديث بتفرد بعض الرواة الساقطين بها، ويكون كلامهم محمولاً على قيد أن تفرده إنما هو من ذلك الوجه، ويكون المتن قد روي من وجه آخر لم يطلع هو عليه أو لم يستحضره حالة التصنيف، فدخل عليه الدخيل [لعلها الدخل] من هذه الجهة وغيرها، فذكر في كتابه الحديث المنكر والضعيف الذي يحتمل في الترغيب والترهيب وقليل من الأحاديث الحسان كحديث صلاة التسبيح وكحديث قراءة آية الكرسي دبر الصلاة، فإنه صحيح رواه النسائي وصححه ابن حبان؛ وليس في كتاب ابن الجوزي من هذا الضرب سوى أحاديث قليلة جداً؛ وأما من مطلق الضعف ففيه كثير من الأحاديث.
نعم أكثر الكتاب موضوع، وقد أفردت لذلك تصنيفاً أشير إلى مقاصده-----.
ولابن الجوزي كتاب آخر سماه (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية) أورد فيه كثيراً من الأحاديث الموضوعة كما أورد في كتاب الموضوعات كثيراً من الأحاديث الواهية، وفاته من كل النوعين قدر ما كتب في كل منهما أو أكثر». انتهى كلام ابن حجر.
وقال ابن حجر أيضاً: «وتساهله وتساهل الحاكم أعدم النفع بكتابيهما».
أقول: هذا الكلام غير مسلّم إلا إذا كان ابن حجر لم يرد ظاهره وإنما أراد بقوله (أعدم) (قلَّل)، أو (أعدم الانتفاع الكامل)؛ نعم كلامه يكاد يكون صحيحاً في حق مستدرك الحاكم، أعني من جهة اعتباره كتاب نقد، لا من جهة روايته أو اعتباره كتاب نقل، وإن كان في نقل الحاكم في المستدرك كلام ما، بسبب ما وقع فيه من أوهام غير قليلة؛ ولكن الذي يعنينا هنا هو الجانب النقدي من الكتاب؛ فإنك لا تقدر أن تحتج بحديث منه ما لم تنظر فيه أو تقف على أقوال أهل العلم في نقده.
وأما كتاب ابن الجوزي فنافع جداً والأصل في أحاديثه – بحسب ما أراه – أن يحكم عليها بالوضع – أو على الأقل بالترك - إلى أن يقوم الدليل على خلافه، وليس كذلك أحاديث المستدرك، أي أنه لا يصح أن يقال أنها يحكم لها بالصحة – ولا حتى الحسن - ويعمل بها حتى يجيء الدليل على عدم ثبوتها؛ بل الصواب التوقف فيها إلى أن يتبين حالها؛ ثم إن أحاديث كتاب ابن الجوزي إن لم تكن موضوعة فيندر جداً أن ترتفع عن رتبة الواهيات أو الضعاف إلى رتبة الاحتجاج فأمرها سهل قريب، لأن النادر جداً لا حكم له، ومن يحكم على حديث ضعيف بالوضع فأمره ليس بذلك الخطير بخلاف أحاديث كتاب الحاكم فما أكثر أحاديثه التي تسقط عن رتبة الاحتجاج إلى رتبة عدمه، بل فيه موضوعات وطامات وأباطيل، وفيه واهيات كثيرة؛ فمن صحح حديثاً من هذه الأنواع أو احتج به فوهمه كبير بعيد، والله أعلم.
وقال السيوطي في آخر كتابه (التعقبات على الموضوعات) - وهو مختصر كتابه (النكت البديعات على الموضوعات) - (ص74): «الأحاديث المتعقبة على ابن الجوزي، التي لا سبيل إلى إدراجها في سلك الموضوعات: عدتها نحو ثلاثمئة حديث؛ منها في صحيح مسلم حديث، وفي صحيح البخاري، رواية حماد بن شاكر، حديث، وفي مسند أحمد ثمانية وثلاثون حديثاً، وفي سنن أبي داود تسعة أحاديث، وفي جامع الترمذي ثلاثون حديثاً، وفي سنن النسائي عشرة أحاديث، وفي سنن ابن ماجه ثلاثون حديثاً، وفي مستدرك الحاكم ستون حديثاً على تداخل في العدة.
فجميع ما في الكتب الستة والمسند والمستدرك مئة حديث وثلاثون حديثاً، وفيه من مؤلفات البيهقي السنن والشعب والبعث والدلائل وغيرها، ومن صحيح ابن خزيمة والتوحيد له وصحيح ابن حبان ومسند الدارمي وتاريخ البخاري وخلق أفعال العباد وجزء القراءة له وسنن الدارقطني جملة وافرة».
¥