الخطيب الحافظ مصنفاً وناقداً
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[31 - 12 - 05, 04:20 م]ـ
الخطيب البغدادي (392 - 463هـ) مصنفاً وناقداً؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
هذا مبحث فيه جملة من المحاور التي يتبين - إن شاء الله - بما يدور حولها، قدرٌ من منزلة هذا العالم المحدث الناقد المتثبت، وقدر من فضله على أهل العلم عامة، وعلى أهل الحديث خاصة، وقدر من منهجه في مصنفاته وفي أحكامه النقدية.
وقد قسمت المبحث إلى محاور، كما تقدم، فدونك ذلك:
أولاً: نشأته العلمية:
قال الذهبي في ترجمته من (تذكرة الحفاظ) (3/ 315):
(الحافظ الكبير الإمام محدث الشام والعراق أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي صاحب التصانيف----؛ وكان والده خطيب قرية دَرزيجان من سواد العراق؛ ممن سمع وقرأ القرآن على [أبي حفص] الكتاني؛ فحرص على ولده هذا، وأسمعه في الصغر سنة ثلاث وأربع مئة، ثم أُلهم طلب هذا الشأن، ورحل فيه إلى الأقاليم، وبرع وصنف وجمع وسارت بتصانيفه الركبان، وتقدم في عامة فنون الحديث----.
وكان مجيئه إلى دمشق سنة خمس وأربعين وأربعمئة، ثم حج ثم قدم الشام سنة إحدى وخمسين فسكنها إحدى عشرة سنة----.
ثانياً: علو همته وحرصه على الطلب:
قال الذهبي في (السير) (11/ 135) عقب ذكره طائفة كبيرة من شيوخه:
(---وينزل إلى أن يكتب عن عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن النقور؛ بل نزل إلى أن روى عن تلامذته، كنصر المقدسي، وابن ماكولا، والحميدي؛ وهذا شأن كل حافظ: يروي عن الكبار والصغار).
وقال ابن الجوزي في (المنتظم) (8/ 267) في وصف الخطيب:
(كان حريصاً على علم الحديث وكان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه)؛ وقال قبل ذلك بورقة: (أول ما سمع الحديث في سنة (403) وهو ابن إحدى عشرة سنة---؛ وأكثر من السماع من البغداديين ورحل إلى البصرة ثم إلى نيسابور ثم إلى أصبهان، ودخل في طريقه همذان، والجبال؛ ثم عاد إلى بغداد، وخرج إلى الشام [قال السمعاني: (خرج من بغداد بعد فتنة البساسيري لتشوش الحال إلى الشام)]؛ وسمع بدمشق وصور، ووصل إلى مكة--- وقرأ "صحيح البخاري" على كريمة--- في خمسة أيام).
وقال الذهبي في (السير) (11/ 139): (قال الخطيب في ترجمة إسماعيل بن أحمد النيسابوري الضرير: "حج وحدث؛ ونعم الشيخ كان؛ ولما حج كان معه حمل كتب ليجاور؛ منه صحيح البخاري، سمعه من الكشميهني؛ فقرأت عليه جميعه في ثلاثة مجالس؛ فكان المجلس الثالث من أول النهار وإلى الليل؛ ففرغ طلوعَ الفجر"؛ قلت [القائل هو الذهبي]: هذه - والله - القراءة التي لم يسمع قط بأسرع منها).
وقال أبو الفرج الاسفراييني: (كان الخطيب معنا في الحج فكان يختم كل يوم قريب الغياب قراءة ترتيل، ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب فيقولون: حدِّثْنا؛ فيحدث).
وقال عبد المحسن الشيحي: (عادلت الخطيب من دمشق إلى بغداد فكان له في كل يوم وليلة ختمة).
وقال المعلمي في (التنكيل) في أوائل بعض فصول ترجمة الخطيب: (بعد أن قضى الخطيب قريباً من ستين سنة على الحال التي تقدمت من الانهماك في العلم ليلاً ونهاراً حتى كان يمشي في الطريق وبيده يطالعه وفي تلك الصيانة والنزاهة التي أعجز بها أولئك المؤذين فلم يعثروا له على عثرة خرج من بغداد في أيام الفتن وقصد دمشق وأقام بها----).
ثالثاً: منزلته العلمية وثناء العلماء عليه:
قال الذهبي في السير (11/ 136) و (تذكرة الحفاظ)، وذلك في ترجمة الخطيب من كلا الكتابين: (وكان من كبار الشافعية، تفقه على أبي الحسن ابن المحاملي، وبالقاضي أبي الطيب الطبري).
وقال في (السير) (11/ 137): (قال ابن ماكولا: كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه، معرفة وحفظاً وإتقاناً وضبطاً لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفنناً في علله وأسانيده، وعلماً بصحيحه وغريبه، وفرده ومنكره، ومطروحه؛ ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن الدارقطني، مثله؛ سألت أبا عبد الله الصوري عن الخطيب وأبي نصر السجزي: أيهما أحفظ؟ ففضل الخطيب تفضيلاً بيناً).
وقال مؤتمن الساجي: (ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني مثل الخطيب).
وقال أبو علي البرداني: (لعل الخطيب لم ير مثل نفسه).
وقال أبو إسحاق الشيرازي الفقيه: (أبو بكر الخطيب يشبه بالدارقطني ونظرائه في معرفة الحديث وحفظه).
¥