[حافظ المغرب ابن عبد البر، ومكانته بين علماء الحديث]
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[28 - 12 - 05, 09:30 م]ـ
ابن عبد البر (368 - 463)
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ابن عبد البر أحد أئمة هذه الأمة؛ له ترجمة في كتب كثيرة منها جذوة المقتبس ص344 وبغية الملتمس ص489 والمغرب لابن سعيد ج2ص407 والديباج المذهب ص357 والصلة لابن بشكوال ج2ص640 والشذرات ج3ص314 ووفيات الأعيان ج7ص66 - 67 والعبر ج3ص255 وتذكرة الحفاظ وسير اعلام النبلاء وتاريخ الاسلام ووفيات الأعيان ج7ص66 - 67 وشذرات الذهب ج3ص314 ومطمح الأنفس لابن خاقان ص294 - 296.
قال الذهبي في (التذكرة) (3/ 1128 - 1130):
(الإمام شيخ الإسلام حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي---؛ وطلب الحديث قبل مولد الخطيب بأعوام---؛ وساد أهل الزمان في الحفظ والإتقان.
قال أبو الوليد الباجي: لم يكن بالأندلس مثل أبي عمر في الحديث.
وقال ابن حزم: (التمهيد) لصاحبنا أبي عمر لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله أصلاً، فكيف أحسن منه.
وكتاب (الاستذكار) وهو اختصار (التمهيد)، وله تواليف لا مثل لها في جمع؟؟ معانيها، منها الكافي على مذهب مالك، خمسة عشر مجلداً، ومنها كتاب (الإستيعاب) في الصحابة، ليس لأحد مثله، ومنها كتاب جامع بيان العلم وفضله----.
قال ابن سكرة: سمعت أبا الوليد الباجي يقول: أبو عمر أحفظ أهل المغرب.
وقال الغساني: سمعت ابن عبد البر يقول: لم يكن أحد ببلدنا مثل قاسم بن محمد وأحمد بن خالد الجباب، قال الغساني: ولم يكن ابن عبد البر بدونهما ولا متخلفاً عنهما---. طلب وتقدم--- ودأب في طلب الحديث، وافتن به وبرع براعة فاق بها من تقدمه من رجال الأندلس؛ وكان مع تقدمه في علم الأثر وبصره بالفقه والمعاني له بسطة كبيرة في علم النسب والأخبار---.
وانتهى اليه مع إمامته علو الإسناد.
وكان ديناً صيناً ثقة حجة صاحب سنة واتباع، وكان أولاً ظاهرياً أثرياً، ثم صار مالكياً مع ميل كثير إلى فقه الشافعي.
قال الحميدي: أبو عمر فقيه حافظ مكثر عالم بالقراءات وبالخلاف وبعلوم الحديث والرجال قديم السماع، يميل في الفقه إلى أقوال الشافعي رحمة الله عليه).
انتهى كلام الذهبي محذوفاً منه أشياء أشرت إلى موضعها بإبدالها بخط متقطع.
ولابن عبد البر في تعديل الرواة قاعدة نص عليها دالة - إن كان قد مشى عليها في نقده الرواة - على تساهله في توثيق بعض من ليس حقه التوثيق، فقد قال ابن الصلاح في (مقدمته) (ص115):
(وتوسع ابن عبد البر الحافظ في هذا فقال: كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبداً على العدالة، حتى يتبين جرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله. وفيما قاله اتساع غير مرضي).
وقال الحافظ العراقي بعد توهينه استدلال ابن عبد البر بهذا الحديث:
(ومع هذا فالحديث أيضاً غير صحيح)؛ ثم ذكر أقوال الأئمة فيه ثم قال:
(وممن اتبع ابن عبد البر على اختيار ذلك من المتأخرين أبو عبد الله بن المواق فقال في كتابه (بغية النقاد): أهل العلم محمولون على العدالة حتى يظهر منهم خلاف ذلك).
هذا ما كنت كتبته قبل نحو خمس سنوات؛ ثم وقفت مؤخراً على كلام في هذه القضية للشيخ عبدالله بن يوسف الجديع في كتابه (تحرير علوم الحديث)، فقد قال (1/ 337 - 338) تحت مبحث أسماه (تحرير القول في تعديل جماعة من المتقدمين تنازعهم الناس) ما لفظه:
(طريقة ابن عبد البر:
ابن عبد البر من طبقة الخطيب البغدادي، وهما معدودان في المتأخرين، كلامهما في الرواة المتقدمين مبني على تلخيص عبارات السلف فيهم، نعم الخطيب فارق ابن عبد البر بإنشاء القول بتعديل الرواة وجرحهم، خصوصاً من طبقة شيوخه، لكن لا يكاد يوجد ذلك لابن عبد البر إلا قليلاً.
فإذا كان قول ابن عبد البر في الرواة خلاصة كلام السالفين، فالحجة إذاً عائدة إلى كلامهم، ويبقى تحرير ابن عبد البر للعبارة في الراوي تحرير إمام ناقد، فكما نقبل تحرير العبارة ممن جاء بعده كالذهبي وابن حجر من المتأخرين، فقبول قوله أولى، بل إن المتتبع لكلامه في الرواة في كتبه يجد له وزن عبارة الناقد العارف بهذا العلم فيه.
وإنما دخلت الشبهة عند بعض الناس أن ابن عبد البر يتساهل في التعديل، من جهة ما فهموه عنه من قوله في تفسير العدالة، وإنه يجري المسلمين في الأصل عليها، وليس كذلك كما بينته آنفاً في (المبحث الثالث).
بل قد وصف ابن عبد البر بالجهالة رواة عديدين، ولو كانت العدالة تثبت عنده للراوي بمجرد الإسلام فيقبل بذلك حديثه، لم يكن لوصفه بالجهالة لأولئك الرواة معنى).
وأما الكلام الذي أحال عليه، فقد ورد في الكتاب (1/ 251)، ودونك نصه:
(المسألة الثالثة: في تعريف العدالة عند أبي عمر بن عبد البر:
قال ابن عبد البر: " كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل محمول في أمره أبداً على العدالة حتى تتبين جرحته في حاله أو في كثرة غلطه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله " [التمهيد 1/ 28].
هذا النص في تفسير العدالة أنكره المتأخرون، فلماذا؟ هل لأنهم فهموا أنه يجعل العدالة وصفاً ثابتاً بمجرد الإسلام؟ أم لغير ذلك؟
عملياً وجدت ابن عبد البر جرح بالجهالة في مواضع كثيرة، وردَّ بها أحاديث رواها مجهولون لا طعن عليهم إلا بالجهالة، في كتبه: التمهيد، والاستذكار، والاستيعاب؛ فدل على أنه لم يعن إثبات العدالة لكل من روى تأصيلاً، وإنما جعل في التحقيق على العدالة من حمل العلم وعرف أنه اعتنى به، والمجهولون لم يعرفوا بحمل العلم، إذ المعرفة والاعتناء بالعلم توجب الشهرة به، وهو ما ينافي الجهالة، وهذا الكلام لا إشكال فيه، ولم يقل ابن عبد البر: (كل من روى الحديث فهو عدل) ليصح التعقب عليه.
فقوله صحيح في الجملة في المعروفين من الرواة.
وأما الحديث الذي ذكره فضعيف على التحقيق (462) [[قال هنا في الهامش: بينته في كتابي "علل الحديث"]]).* * *
¥