ابنُ حزمٍ وطريقته في علم الحديث
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[13 - 12 - 05, 06:19 ص]ـ
ابن حزم (384 - 456)
ابن حزم رحمه الله تعالى عالم كبير ومؤلف أريب أديب وباحث يتوقد ذكاء ويقطر فطنةً محب للحق متحمس لنصرة الدين ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولكن غلب عليه جموده على الظواهر وشدة خصومته لمخالفيه؛ ولولا ذلك لقل نظراؤه بين علماء المسلمين، بعد القرون الفاضلات.
ترجمه عدد كبير من العلماء فأنصفه جماعة من مترجميه كابن تيمية في (نقض المنطق) والذهبي في السير والتذكرة وغيرهما؛ وتحامل عليه آخرون؛ وهذا شأن أكثر الكبار ولا سيما إذا كان لهم خصوم ومناوئون، ومن أكثر خصوماً من ابن حزم؟
وإن أردت التوسع في ترجمة هذا العلَم فانظرها في (طبقات الأمم) لتلميذه صاعد الأندلسي (ص98 - 100) و (جذوة المقتبس) لتلميذه الحميدي (ص290) و (بغية الملتمس) للضبي (ص415) و (المغرب في حلى المغرب) لابن سعيد المغربي (1/ 354) و (الصلة) لابن بشكوال (2/ 395) و (المعجب) (ص93) و (النجوم الزاهرة) (5/ 75) وكتب الذهبي (السير) و (تاريخ الإسلام) و (التذكرة) و (العبر) (3/ 239) و (تاريخ الحكماء) و (مختصر الزوزني) (ص232) و (لسان الميزان) (4/ 198) و (شذرات الذهب) (3/ 299) والأعلام (5/ 59) و (مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس) للفتح بن خاقان (ص279 - 282) و (نفح الطيب) (3/ 555).
***************
قال الذهبي في (التذكرة) (3/ 1146 - 1154):
(الإمام العلامة الحافظ الفقيه المجتهد أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية الفارسي الأصل الأموي اليزيدي القرطبي الظاهري صاحب التصانيف؛ كان جدهم خلف أول من دخل إلى الاندلس-------.
وكان إليه المنتهى في الذكاء والحفظ وسعة الدائرة في العلوم، وكان شافعياً، ثم انتقل إلى القول بالظاهر ونفى القول بالقياس، وتمسك بالعموم والبراءة الأصلية، وكان صاحب فنون، فيه دين وتورع وتزهد وتحرٍّ للصدق.
وكان أبوه وزيراً جليلاً محتشماً كبير الشأن.
وكان لأبي محمد كتب عظيمة لا سيما كتب الحديث والفقه----.
أخذ المنطق عن محمد بن الحسن المذحجي، وأمعن فيه، فبقي فيه قسط من نحلة الحكماء [يعني الفلاسفة]----.
وقال صاعد بن أحمد: كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام، وأوسعهم معرفة مع توسعه في علم اللسان، ووفور حظه من البلاغة والشعر، ومعرفته بالسنن والآثار والأخبار؛ أخبرني ولده الفضل أنه اجتمع عنده بخط أبيه أبي محمد من تواليفه أربعمئة مجلد تحتوي على نحو من ثمانين ألف ورقة----.
قال الحميدي: كان أبو محمد حافظاً للحديث وفقهه مستنبطاً للأحكام من الكتاب والسنة، متفنناً في علوم جمة، عاملاً بعلمه، ما رأينا مثله فيما اجتمع له من الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين، وكان له في الأدب والشعر نفس واسع وباع طويل، ما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه؛ وشعره كثير جمعته على حروف المعجم.
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ما رأيت في كتب الإسلام في العلم مثل المحلى لابن حزم والمغني للشيخ الموفق).
وذكر الذهبي أشياء أخرى من ثناء العلماء عليه، ثم ذكر بعض ما انتقده به خصومه وخصوم أهل الظاهر، وختم ترجمته قبل أن يذكر تاريخ وفاته بقوله:
(قلت: ابن حزم رجل من العلماء الكبار، فيه أدوات الاجتهاد كاملة، تقع له المسائل المحررة والمسائل الواهية كما يقع لغيره؛ وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وقد امتحن هذا الرجل وشدد عليه وشرد عن وطنه وجرت له أمور وقام عليه الفقهاء لطول لسانه واستخفافه بالكبار ووقوعه في أئمة الاجتهاد بأفج عبارة وأفظّ محاورة وأبشع رد؛ وجرى بينه وبين أبي الوليد الباجي مناظرة ومنافرة؛ قال أبو العباس ابن العريف: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين). انتهى.
قلت: هذه العبارة فيها من البرودة والمبالغة والبعد عن الصحة ما لا يخفى على من تأملها؛ واشتهارها على الألسنة لا يغني عنها شيئاً.
******************
وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) (18/ 184 وما بعدها):
¥