[مبحث المرسل من كتاب عقد الدرر في شرح المختصر من نخبة الفكر للعلامة محمود شكري الألوسي]
ـ[أبو مصعب بن محمود الأثري]ــــــــ[03 - 12 - 05, 08:55 م]ـ
هذا هو مبحث المرسل من كتاب
عقد الدرر في شرح المختصر من نخبة الفكر
للعلامة محمود شكري الألوسي
و ما سقَطَ صحابيُّهُ: فهو المُرْسَلُ؛ وذلك بأنْ يرفَعَهُ تابعُ الصحابيِّ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم سواءٌ كان التابِعُ كبيرًا، وهو: مَنْ لَقِيَ جماعًة من الصحابة، وكان أكْثَرُ رواتِهِ منهم؛ كعُبَيْد الله بْنِ الخِيَار- بكسر المُعْجمة - أو صغيرًا، وهو: مَنْ لَقِيَ واحدًا منهم، أو اثنَيْنِ؛ كيحيى بْنِ سَعِيدٍ، وهو مأخوذٌ من الإرسالِ، وهو الإطلاقُ؛ كقوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الكَافِرِينَ} [مريم: 83]؛ فكأنَّ المُرْسِلَ أَطْلَقَّ الإسنادَ، ولم يقيِّدْهُ بجميِعِ رواته، ويُجْمَعُ على ((مَرَاسيِل)) و ((مَرَاسِل))، وقيَّده الحافظُ بما لم يسمعْهُ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليُخْرِجَ من لَقِيَهُ كافرًا، فسمع منه، ثم أسْلَمَ بعد موتهِ صلى الله عليه وسلم - وحدَّثَ بما سَمِعَ منه؛ كالتَّنُوخِيِّ؛ رسُولِ هِرَقْلَ، وروي قَيْصَر؛ فإنه مع كونه تابعيًّا محكومٌ لما سمعه بالاتصالِ لا بالإرسالِ، وبه يُلْغَزُ؛ فيقال: لنا تابِعِيٌّ أضافَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم حديثًا، وحديثُهُ متصلٌ.
و خرَجَ بالتابعيِّ: مرسلَ الصحابيِّ؛ بأن لمْ يسمعْهُ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا بواسطةٍ، كبيرًا كان؛ كابْن عُمَرَ وجابرٍ، أو صغيرًا؛ كابن عَبَّاس وابن الزُّبَيْر، فحكمُهُ الوصْلُ؛ فيحتجُّ به على الصحيح؛ لأن غالبَ روايتِهِ عن الصحابة، وهم عدولٌ؛ لا تَقْدَحُ فيهم الجهالةُ بأعيانِهِمْ؛ فلا يُبْحَثُ عن عدالتهم: في روايةٍ، ولا شهادةٍ؛ لأنَّهم خيرُ الأمَّة؛ لقولِهِ تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] وقوله تعالى: {وَ كّذَلِكَ جَعَلْنَاكُمُ أُمَّةً وَسَطًا؛ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143]؛ فالصحابَةُ هم المخاطَبُونَ حقيقًة بهذا الخطابِ الشفاهي، وقولِهِ صلى الله عليه وسلم: ((لا تَسُبُّوا أَصْحَابي؛ فَوَالَّذِي نَفْسِيِ بِيَدِهِ [29/ب]، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ ولا نَصِيفَهُ))؛ رواه الشيخان، والحديثُ وإنْ وَرَدَ على سَبَبٍ - فالعبْرَةُ بعمومِ اللفْظِ، ولا يضرُّ كونُ الخطاب بذلك للصحابِة؛ لأن المعنَى: لا يَسُبُّ غيْرُ أصحابي أصحابي، ولا يَسُبُّ بعضُكُمْ بعضًا، والأحاديث في ذلك كثيرةٌ لا تنحصرُ.
فَمَنْ أثنى الله تعالى عَليْه ورسولُهُ صلى الله عليه وسلم بهذا الثناءِ، كيف لا يكونُ عَدْلا، مع أنَّ العدالة تثبت بتزكية عَدْلَيْنِ من آحادِ الأُمَّة؛ فكيفَ لا تثبُتُ مع هذا الثناءِ العظيم؟ _!)). انتهى.
و أمَّا احتمالُ روايتِهِ عن تابعيٍّ: فنادر؛ قال بعضهم: ((و يتحصَّلُ من كلامهم خلافٌ في سبب المَنْعِ، وإن كان الكلُّ عدولا، بل هو احتمالُ روايتِهِ عن تابعيٍّ أو صحابيٍّ قامَ به مانعٌ؛ كسارِقِ رداءِ صفوانَ ونَحْوه)) انتهى.
و بعضُهُمْ يقيِّده بالكبيرِ، فمرفوعُ الصَّغيرِ لا يسمَّى مرسلا بل منقطعًا.
و بعضُهُمْ يجعلُ المُرْسَلَ: ما سَقَطَ من سنده راوٍ واحدٌ أو أكثَرُ، سواءٌ كان من أولِهِ أو من آخرِهِ أم بينهما؛ فَشَمِلَ المنقطع والمُعضَلَ والمعلَّق؛ وهذا ما حكاه ابْنُ الصَّلاح عن الفقهاء، والأصوليِّين والخطيب؛ ولذا قال النوويُّ: ((المُرْسَلُ عند الفقهاء، والأصوليِّين والخطيبِ، وجماعةٍ من المحدِّثين -: ما انقطَعَ إسنادُهُ على أيِّ وجه كان)) انتهى.
و الحاصلُ أنَّ في المرسلِ ثلاثةً أقوال:
أوَّلها: وهُوَ ما ذكره أكْثَرُ استعمال المحدِّثين.
و ثانيها: أضْيَقُها؛ لتقييده بتابعٍ مخصوصٍ.
و ثالثها: أوسَعُهَا؛ لأنه مرفوعٌ غيْرِ صحابيٍّ - تابعيًّا كان أو غيْرَهُ - إلى النبيِّ، صلى الله عليه وسلم.
و قد احتجَّ بالمرسَلِ: أبوحنيفَة، ومالكٌ، وأحمد، في أشهر الروايتين عنه، واختاره الآمديُّ؛ قالوا: لأنَّ العدْلَ لا يُسْقِطُ الواسطةَ بَيْنَهُ وبين النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلا من وهُوَ عدلٌ عنده، وإن كان ذلك تلبيسًا قادحًا فيه.
و قال عيسى بْنُ أَبَانَ واختاره ابن الحاجب وصاحب ((البديع)) -: يُقْبَلُ المرسَلُ، ويُحْتَجُّ به إذا كان المرسَلُ من أئمَّة النقْلِ؛ كسعيد بن المسيِّب، والشَّعْبِيّ؛ بخلاف من لم يكنْ منهم؛ فقد يَظُنُّ من ليس بعدلٍ عدلا؛ فيُسْقِطُهُ لظنِّه ... إلى غير ذلك من الاختلافاتِ المذكورة في مَحَلِّها.