تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[طرق الأئمة في اختبار الرواة - من كلام العلامة المعلمي]

ـ[أبو مصعب بن محمود الأثري]ــــــــ[03 - 12 - 05, 08:31 م]ـ

* طرق الأئمة في اختبار الرواة *

للأئمة طرق في اختبار الرواة:

? منها:

النظر إلى حال الراوي في المحافظة على الطاعات واجتناب المعاصي، وسؤال أهل المعرفة به.

قال الحسن بن صالح بن حي: ((كنا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل سألنا عنه حتى يقال: أتريدون أن تزوجوه؟!)).

? ومنها:

أن يحدث أحاديث عن شيخ حي، فيسأل ذلك الشيخ عنها.

? مثاله:

قول شعبة: ((قال الحسن بن عمارة: حدثني الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن علي سبعة أحاديث، فسألت الحكم عنها فقال: ما سمعت منها شيئًا!)).

? ومنها:

أن يحدث عن شيخ قد مات، فيقال للراوي: متى ولدت؟ ومتى لقيت هذا الشيخ؟ وأين لقيته؟ ثم يقابل بين ما يجيب به وبين ما حفظ من وفاة الشيخ الذي روى عنه ومحل إقامته وتواريخ تنقله.

? مثاله:

ما جاء عن عفير بن معدان، أن عمر بن موسى بن وجيه حدث عن خالد بن معدان، قال عفير: فقلت له: في أي سنةٍ لقيته؟ قال: في سنة ثمان [وخمسين] ومائة، في غزاة إرمينية. قلت: اتق الله يا شيخ، لا تكذب، مات خالد سنة أربع [وخمسين] ومائة، أزيدك أنه لم يغز إرمينية.

? ومنها:

أن يسمع من الراوي أحاديث عن مشايخ قد ماتوا، فتعرض هذه الأحاديث على مارواه الثقات عن أولئك المشايخ، فينظر: هل انفرد هذا الراوي بشيءٍ، أو خالف، أو زاد، أو نقص؟ فتجدهم يقولون في الجرح: ((ينفرد عن الثقات بما لا يتابع عليه)((في حديثه مناكير)((يخطئ ويخالف))، ونحو ذلك.

? ومنها:

أن يسمع من الرواي عدة أحاديث، فتحفظ أو تكتب، ثم يسأل عنها بعد مدة، وربما كرر السؤال مرارًا لينظر: أيغير أو يبدل أو يزيد أوينقص؟.

دعا بعض الأمراء أبا هريرة، وسأله أن يحدث، وقد خبأ الأمير كاتبًا حيث لا يراه أبو هريرة، فجعل أبو هريرة يحدث والكاتب يكتب، ثم بعد سنة دعا الأمير أبا هريرة، ودس رجلاً ينظر في تلك الصحيفة، وسأل أبا هريرة عن تلك الأحاديث، فجعل يحدث والرجل ينظر في الصحيفة، فما زاد ولا نقص، ولا قدم ولا أخر.

وسأل بعض الخلفاء ابن شهاب الزهري أن يملي على بعض ولده، فدعا بكاتب، فأملى عليه أربعمائة حديث، ثم إن الخليفة قال للزهري بعد مدة: إن ذلك الكتاب قد ضاع. فدعا الكاتب فأملاها عليه، ثم قابلوا الكتاب الثاني على الكتاب الأول، فما غادر حرفًا.

وكانوا كثيرًا ما يبالغون في الاحتياط، حتى قيل لشعبة: لم تركت حديث فلان؟ قال: ((رأيته يركض على برذون)).

وقال جرير: ((رأيت سماك بن حرب يبول قائمًا، فلم أكتب عنه)).

وقيل للحكم بن عتيبة: لِم لَم ترو عن زاذان؟ قال: ((كان كثير الكلام)).

وكانوا يطعنون فيمن خالط الأمراء، أو قبل عطاياهم أو عظمهم، بل ربما بالغوا في ذلك، كما وقع لمحمد بن بشر الزنبري المصري مع سعة علمه، كان يملي الحديث على أهل بلده، فاتفق أن خرج الملك غازيًا، فخرج الزنبري يشيعه، فلما انصرف وجلس يوم الجمعة في مجلسه، قام إليه أصحاب الحديث فنزعوه من موضعه، وسبوه، وهموا به، ومزقوا رواياتهم عنه، ثم ذكره ابن يونس في ((تاريخ مصر)) فقال: ((لم يكن يشبه أهل العلم)).

وإنما كانوا يتسامحون فيمن بلغ من الجلالة بحيث يعلم أنه إنما يخالط الأمراء؛ ليأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويكفهم عن الباطل ما استطاع، كالزهري ورجاء بن حيوة.

روى الشافعي قال: حدثنا عمي، قال:

دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك، فقال له: ياسليمان، الذي تولى كبره من هو؟ - يعني في قول الله تعالى: {والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم} -.

قال: عبد الله بن أبي.

قال: كذبت! هو فلان.

قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول.

فدخل الزهري، فقال: يا ابن شهاب! من الذي تولى كبره؟

قال: ابن أبي.

قال: كذبت! هو فلان.

فقال الزهري لهشام: أنا أكذب! لا أبًا لك؟! والله لو نادى مناد من السماء أن الله أحل الكذب ما كذبت! حدثني عروة وسعيد وعبيد الله وعلقمة، عن عائشة، أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي - وذكر تمام القصة، وفيها خضوع هشام للزهري واسترضاؤه له-.

وقد وقعت للزهري قصة تشبه هذه مع الوليد بن عبد الملك، وفيها:

أن الوليد قال له: يا أبا بكر! من تولى كبره؟ أليس فلانًا؟

قال الزهري: قلت: لا!

فضرب الوليد بقضيبه على السرير: فمن؟ فمن؟ - حتى ردد ذلك مرارًا.

قال الزهري: لكن عبد الله بن أبي.

وفي الجواب سليمان لهشام لطيفة، حيث لم يقل: ((أمير المؤمنين أعلم))، ويسكت، بل قال: ((أعلم بما يقول)) أي: أعلم بقول نفسه، لا أعلم بحقيقة الحال.

ولكن المقام لم يكن لتغني فيه مثل هذه الإشارة؛ فلذلك قيض الله تعالى الزهري ووفقه فقال ما قال، وقوله لهشام - وهو الملك -: ((لا أبًا لك)) جرأة عظيمة.

وكانوا من الورع وعدم المحاباة على جانب عظيم، حتى قال زيد بن أبي أنيسة: ((أخي يحيى يكذب!)).

وسئل جرير بن عبد الحميد عن أخيه أنيس؟ فقال: ((قد سمع من هشام بن عروة، ولكنه يكذب في حديث الناس، فلا يكتب عنه)).

وروى علي بن المديني عن أبيه، ثم قال: ((وفي حديث الشيخ ما فيه)) وأشار إلى تضعيفه غير مرة.

وقال أبو داود: ((ابني عبد الله كذاب)).

وكان الإمام أبو بكر الصبغي ينهى عن السماع من أخيه محمد بن إسحاق.

منقول من كتاب

علم الرجال وأهميته

للعلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني

رحمه الله رحمة واسعة

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير