[فائدة حديثية مهمة، من كتاب (الأنوار الكاشفة) للمعلمي]
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[28 - 02 - 06, 02:40 م]ـ
"
طالعت موضوع الرابط الذي وضعته بذيل هذه المشاركة، مطالعة سريعة، فوجدت أنه قد تكرر نقل قول المعلمي رحمه الله في (الأنوار الكاشفة) (ص29): (عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها: يقدم الأصح فالأصح).
ولكن ثَمّ عبارة أخرى للمعلمي قد تكون أصرح من هذه العبارة وأكمل، وأولى بالاستناد إليها في بيان مذهب المعلمي في هذه القضية، وإلا فهي - في الأقل - تأكيد لمذهبه هذا، وأظن أن تلك العبارة لم تنقل في مشاركات الرابط، فرغبتُ في كتابتها هنا.
وهذه العبارة هي قوله في (الأنوار الكاشفة) أيضاً (ص230 - 231) ما لفظه:
(قال [أبو رية]: "وروى مسلم عن أنس بن مالك أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: متى تقوم الساعة؟ قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيهة، ثم نظر إلى غلام بن يديه من أزدشنوءة فقال: إن عُمِّر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة، قال أنس: ذاك الغلام من أترابي يومئذ----".
أقول: من عادة مسلم في (صحيحه) أنه عند سياق الروايات المتفقة في الجملة يقدم الأصح فالأصح [قال في الهامش: قد مر مثال لهذا ص18، يعني (ص29) من المطبوعة]، فقد يقع في الرواية المؤخرة إجمال أو خطأ تبينه الرواية المقدمة.
في ذاك الموضع قدم حديث عائشة {كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة: متى الساعة؟ فنظر إلى أحداث إنسان منهم فقال: إن يعش هذا لم يدركه الهرم قامت عليكم ساعتكم}.
وهذا في صحيح البخاري بلفظ (كان رجال من الأعراب جفاة يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه: متى الساعة؟ فكان ينظر إلى أصغرهم فيقول: إن يعش هذا لا يدركه الهرم حتى تقوم عليكم ساعتكم. قال هشام: يعني موتهم}.
ثم ذكر مسلم حديث أنس بلفظ (إن يعش هذا الغلام فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة) ثم ذكره باللفظ الذي حكاه أبو رية، وراجع فتح الباري 313:11).
انتهى كلام العلامة المعلمي رحمه الله، وهو يريد أن يبين أن الرواية الأولى الموافقة لرواية الإمام البخاري هي الرواية الصحيحة، وأن الروايتين اللتين بعدها كانتا مخالفتين لها في بعض معناها، وفيكون موضع المخالفة منهما شاذاً، وذلك هو الذي أراد الإمام مسلم التنبيه عليه، بهذا الترتيب، وأما أصل هاتين الروايتين فهو شاهد لحديث الباب، أعني الرواية المقدمة فيه.
***********************
وأرى أن أنقل - إكمالاً للمسألة - كلامه في الموضع الأول كاملاً:
قال رحمه الله (ص28 - 29):
(وذكر [أبو رية] قصة التأبير، فدونك تحقيقها:
أخرج مسلم في (صحيحه) من حديث طلحة قال: {مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رءوس النخل فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن يغني ذلك شيئاً.
قال: فأُخبروا بذلك فتركوه، فأُخبر رسول الله صلى ا لله عليه وسلم بذلك، فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظناً، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئاً فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل}.
ثم أخرجه عن رافع بن خديج وفيه {فقال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيراً، فتركوه فنقضت---- فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر}. قال عكرمة: أو نحو هذا.
ثم أخرجه عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وعن ثابت عن أنس؛ وفيه {فقال: لو لم تفلعوا لصلح}؛ وقال في آخره: {أنتم أعلم بأمر دنياكم}.
عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها: يقدم الأصح فالأصح.
قوله صلى الله عليه وسلم في حديث طلحة {ما أظن يغني ذلك شيئاً} إخبار عن ظنه، وكذلك كان ظنه، فالخبر صِدْقٌ قطعاً، وخطأ الظن ليس كذباً.
وفي معناه قوله في حديث رافع {لعلكم .... }.
وذلك كما أشار إليه مسلم [يعني بواسطة الترتيب] أصح مما في رواية حماد، لأن حماداً كان يخطئ.
وقوله في حديث طلحة {فإني لن أكذب على الله} فيه دليل على امتناع أن يكذب على الله خطأ، لأن السياق في احتمال الخطأ، وامتناعه عمداً معلوم من باب أولى، بل كان معلوماً عندهم قطعاً).
انتهى كلام المعلمي، المتعلق بهذه المسألة، وجاء عقبه، أي في (الأنوار) كلام على حديث له تعلق بمقصد الحديث المذكور، وهو قول المعلمي (ص29):
(ونقل [أبو رية] عن شفاء عياض قال: "وفي حديث ابن عباس في الخرص: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنما أنا بشر، فما حدثتكم عن الله فهو حق، وما قلت فيه من قِبل نفسي فإنما أنا بشر أخطئ، وأصيب}.
أقول: ذكر شارح الشفاء أن البزار أخرجه بسند حسن، وتحسين المتأخرين فيه نظر، فإن صح فكأنهم مروا بشجر مثمر فخرصوه يجربون حدسهم، وخرصها النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت على خلاف خرصه.
ومعلوم أن الخرص حزر وتخمين، فكأن الخارص يقول: أظن كذا. وقد مر حكمه. والله أعلم).
انتهى.
تنبيه:
تقدم في عبارتي المعلمي المشار إليهما أن ما وقع في (صحيح مسلم) من الألفاظ المخالفة لألفاظ روايات أقوى منها سنداً، والجمع غير ممكن، أو غير صحيح، ففي تلك الحالة يكون مسلم قد أشار إلى شذوذ تلك الألفاظ، بتأخير رواياتها في الترتيب، عن الرواية الأصح.
هذا بالنسبة للمخالفات، وبقي أمر آخر يتعلق بالزيادات، قال المعلمي في (رفع الاشتباه):
(ومما ينبغي التنبه له أيضاً أن الشيخين – أو أحدهما – قد يوردان في (الصحيح) حديثاً ليس بحجة في نفسه، وإنما يوردانه لأنه شاهد لحديث آخر ثابت؛ ثم قد يكون في هذا الحديث - الذي ذكراه شاهداً - زيادةٌ لا شاهدَ لها؛ فيجيء مِن بعدهما [في الأصل (بعدها)] مَن يحتج به بالنسبة لتلك الزيادة؛ وربما حمل [أي ذلك المحتجُّ] الحديثَ على معنى آخر غير المعنى الذي فهمه صاحب (الصحيح) و [الذي] بنى [أي صاحب الصحيح] عليه أنه شاهد للحديث الآخر).
"
.
وهذا هو الرابط الذي تقدمتْ إشارتي إليه:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=5857
"
¥