تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ألفاظ التجريح والتعديل عند ابن حجر في (تقريب التهذيب)]

ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[22 - 11 - 05, 01:36 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

في هذا المبحث دراسة وجيزة في مراتب الجرح والتعديل الاثنتي عشرة التي عليها قسم الحافظ ابن حجر رجال (التقريب)، أتناول فيها شروطه في كل مرتبة منها أو أحكامه على أحاديثها، فإن هذا ـ على أهميته وشدة الحاجة إليه ـ مما لم يبينه رحمه الله بياناً كافياً شافياً لا في كتابه هذا ولا في غيره من كتبه، وهو مما لا يستغني عن معرفته الذين يرومون الانتفاع بكتاب (التقريب) من أهل العلم بالحديث والبحث فيه سواء كانوا من ذوي الاجتهاد والتحقيق أو من غيرهم، وقد كثر اختلاف الناس بعد ابن حجر في معاني وشروط كثير من تلك المراتب؛ ولذا فسأعرض أيضاً في هذا البحث أهم أوجه ذلك الاختلاف مشفوعة بمحاولة ترجيح ما يشهد له الدليل، والله الموفق.

***********

المرتبة الأولى

قال رحمه الله تعالى عند بيان تلك المراتب: «فأولها الصحابة فأصرح بذلك لشرفهم».

أقول: أما شروط إثبات الصحبة عند ابن حجر فمعروفة ولا إشكال فيها، وهو فيها موافق لقول المحققين وهو قول جمهور العلماء وعليه العمل؛ ثم إن ابن حجر بين هذه الشروط في مقدمة كتابه (الإصابة) في الفصل الذي عقده في تعريف الصحابي، وكذلك فعل في كتابه المشهور (نزهة النظر).

قال ابن حجر في (الاصابة) (ج1 ص4 - 5) في تعريف الصحابي: «أصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي: من لقي النبي ? مؤمناً به ومات على الاسلام، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى».

ثم بين أنه يدخل في قوله (مؤمناً به) كل مكلف من الجن والأنس، وأنه يخرج من التعريف من لقيه كافراً وإن أسلم بعد ذلك، وكذلك من لقيه مؤمناً بغيره، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة، وكذلك من لقيه مؤمناً ثم ارتد ومات على الردة والعياذ بالله.

ويدخل في التعريف من لقيه مؤمناً ثم ارتد ثم عاد إلى الاسلام ومات مسلماً كالأشعث بن قيس فإنه ارتد ثم عاد إلى الاسلام في خلافة أبي بكر، وقد اتفق أهل الحديث على عده في الصحابة.

ثم قال: «وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين كالبخاري وشيخه أحمد بن حنبل وغيرهما».

ثم قال: «وأطلق جماعة أن من رأى النبي ? فهو صحابي، وهو محمول على من بلغ سن التمييز، إذ من لم يميز لا تصح نسبة الرؤية إليه، نعم، يصدق أن النبي ? رآه، فيكون صحابياً من هذه الحيثية (1)، ومن حيث الرواية يكون تابعياً» (2).

قلت: وأما حكم أحاديث الصحابة فهو الصحة، فإنهم كلهم رضي الله تعالى عنهم عدول ضابطون، أما عدالتهم فان أمرها أوضح من أن يحتاج الى بيان أو تقرير، ولا يخالف فيها إلا جاهل ضال أو مبتدع صاحب هوى.

وأما الضبط فبرهان ثبوته لكل صحابي هو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل خبر الصحابي دون أن يتردد في شيء من ذلك الا ما قامت عنده القرينة على احتمال أنه واهم فيه، وأيضا كان يرسل آحاد الصحابة يبلغون عنه الناس أشياء سمعوها منه صلى الله عليه وسلم؛ وعلى ذلك جرى الصحابة والتابعون فإنهم كانوا يقبلون خبر الصحابي دون أن يقسموا الصحابة الى أصحاب ضبط وغير ضابطين أو نحو ذلك؛ وعلى هذا أيضاً استمر عمل علماء الإسلام الى يومنا هذا، فلا أعلم أحداً من العلماء المعتمدين ضعف أحداً من الصحابة ـ الذين هم عنده صحابة ـ لا من جهة عدالة ولا من جهة ضبط؛ والأُمة قد عملت بمقتضى توثيق جميع الصحابة وبنت دينها على ذلك.

ومن المقطوع به أن الصحابة لشدة خوفهم من الله وحرصهم على دينهم وتعظيمهم لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم لم يكونوا ليحدثوا غيرهم من المسلمين الا بما علموا أنهم حفظوه وأتقنوه من الأحاديث، وكل واحد يميز في غالب أحواله ما ضبطه ووعاه من المسائل مما شك فيه ولم يضبطه منها.

والأدلة على توثيق الصحابة رضي الله عنهم ـ وهم القرن الأول من حملة هذا الدين العظيم ورواته ـ متكاثرة ولكن في مجموع ما ذكرته هنا كفاية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير