[كلمات في مآثر العلامة أحمد محمد شاكر ومنهجه في نقد الرجال والأحاديث]
ـ[محمد خلف سلامة]ــــــــ[10 - 12 - 05, 03:27 ص]ـ
أحمد محمد شاكر (ت 1378هـ = 1958م)
هو الشيخ العلامة المحقق المحدث المفسر الفقيه الناقد البارع الأديب اللغوي الباحث الدؤوب داعية السنة أحمد بن العالم القاضي محمد شاكر.
أثنى عليه أهل العلم من معاصريه ومن جاء بعده ثناءً بالغاً، ولو سكتوا لأثنت عليه صحفه وعلمه المبثوث في طياتها، ولو طويت لنطقت – بدلاً منهم ومنها – آثار سيرته وعبقُها الفائح من روضاتها؛ فلله دره من عالم محقق أصيل في علمه وأدبه كأصالته في نفسه ونسبه؛ ولله دره من رجل جمع بين الفضائل على تباعد ما بين أطرافها؛ وحمل أعباء كثيرة عجز عن بعضها كثير من الأقوياء؛ صدق وصراحة وجد وغيرة وعلم وعمل وتصنيف ودعوة وولاء وبراء وأمور أخرى كثيرة قلما اجتمعت لرجل غيره من أهل عصره.
ألف الشيخ أحمد رحمه الله – أو حقق تحقيقاً – كتباً كثيرة ذكرها - إلا ما ندَّ عنه – الشيخ شعيب الأرنؤوط في مقدمة تحقيقه لصحيح ابن حبان فقال (ص62 - 67):
(قد سبقني إلى البدء بإصدار الكتاب العالم الجليل المحدث الأستاذ أحمد محمد شاكر، من بلغ في معرفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم – روايةً ودرايةً – مبلغاً لم يجاره به أحد في هذا العصر، ويُعَدُّ رائد نشر نصوص الحديث النبوي في هذا القرن، وتحقيقها على هذا النحو الذي تابعه عليه غير واحد من المتخصصين بالحديث الشريف، إلا أن المنية اخترمته في الرابع عشر من شهر حزيران سنة 1958 م، ولم يصدر من الكتاب إلا الجزء الأول، وحصل ذلك لغير ما كتاب بدأ بتحقيقه، ولم يكمله، مثل مسند أحمد، صدر منه خمسة عشر جزءاً، وسنن الترمذي، صدر منه جزءان فقط، وتفسير الطبري، صدر منه أربعة عشر جزءاً.
والمنهج الذي التزمه العلامة أحمد شاكر رحمه الله هو اعتماد تصحيح ابن حبان والأخذ برأيه في شروط الصحيح، ولذا لم يتعقب المؤلف في بعض أسانيده، ولم يُبِنْ عن درجة بعض الأحاديث التي لا توافق شروط الجمهور في الصحيح، إلا ما كان لا بد من التنبيه عليه كما ذكر في الحديث رقم (42)، واكتفى رحمه الله بتخريج الحديث من الصحاح والسنن والمسانيد مع ترجمة موجزة لبعض الرواة وتبيين بعض أوهام النسخة.
وبعد وفاته رحمه الله قام الأستاذ عبد الرحمن محمد عثمان بإصدار جزئين آخرين من الكتاب نشرتهما المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1970 م، إلا أنهما خِلْوٌ من أي تحقيق وتخريج وتنبيه على أغلاط النسخة وأوهام ناسخيها، إضافة إلى الأخطاء الناشئة عن الطباعة والوهم في قراءة الأصل، فظهرت الهوة واسعة جداً بين جزأيه هذين وجزء سلفه المرحوم أحمد شاكر.
ورأيت هنا وفاءً بحق العلامة أحمد شاكر، واعترافاً بفضله، أن أنشر مسرداً بما نشره من النصوص)؛ ثم ذكر أربعة وثلاثين كتاباً، وكثير منها في أكثر من مجلد، وقال في ختام ذلك:
(هذا ما تركه أحمد شاكر من عيون النصوص التي حققها أو ألفها، فأثابه الله وجزاه ما هو أهله؛ لقد ترك علماً ينتفع به، وفتح الباب أمام الراغبين في خدمة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الغيورين عليه، الحريصين على نشره وتعليمه).
كان الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله تعالى مع استقامة منهجه وصحة اعتقاده، وسلامة مقصده ودقة اجتهاده، وجودة فهمه وسعة اطلاعه، وقوة علمه وحسن اتباعه، وجمال صبره على التحرير والتحقيق وطول نفسه في البحث والتعميق، متساهلاً بعض الشيء في نقد الأحاديث التي لا نكارة فيها، أي أنه يتساهل من جهة نقد السند لا المتن، مع أنه لا يغفل جانب النظر إلى المتن، فإذا استنكره حكم على الحديث بما يليق به وأعله بما يمنع من يصويبه، وهذا – أعني الحكم على المتون المنكرة بما تستحقه - من محاسن النقد عنده ومن تمام معرفته وتجريبه.
وأما ذلك التساهل في نقد الأسانيد عند العلامة أحمد شاكر فإنه لم يكن من باب الاضطراب في النقد ولا من باب التهاون في التصحيح ولا من باب قلة الاكتراث بالأحاديث وما يقال فيها ويُحكَم به عليها، كما نلمسه من كثير من الناس الذين لا يبالون بالحديث بالة، ويستغنون عنه بما شاءوا من أصل أو عقل أو منطق أو هوى، وإنما كان ذلك منه رحمه الله مبنياً على قواعد اختارها بعض كبار الحفاظ وضوابط صححها غير واحد من مشاهير النقاد.
¥