قلت [القائل هو ابن حجر]: ومما يشهد لصحة كونه أراد بقوله الحسان اصطلاحاً خاصاً له أن يقول في مواضع من قسم الحسان: هذا صحيح تارة، وهذا ضعيف تارة بحسب ما يظهر له من ذلك.
ولو كان أراد بالحسان الاصطلاح العام ما نوه في كتابه إلى الأنواع الثلاثة وحتى لو كان عليه في بعض ذلك مناقشة بالنسبة إلى الإطلاق فذلك يكون لأمر خارجي حتى يرجع إلى الذهول ولا يضر فيما نحن فيه والله أعلم.
وجاء في كتاب (مناهج المحدثين) للشيخ سعد الحميد ما يلي:
(إضافة سنن ابن ماجه للكتب الخمسة:
لم يخالف أحد من العلماء في كون الكتب الخمسة هي دواوين الإسلام المشهورة، ولكن اختلفوا في سادس هذه الكتب، فنجد أن أول من أضاف سنن ابن ماجه لهذه الخمسة ليصبح سادسها هو أبو الفضل محمد بن طاهر بن الفيسراني، وهذا في كتابين من كتبه؛ الأول: هو الذي ألفه في أطراف الكتب الستة، وجعل سادس هذه الكتب سنن ابن ماجه، والثاني: رسالة في شروط الأئمة الستة، وجعل سادسها ابن ماجه؛ فيعتبر هو أول من أضاف سنن ابن ماجه -رحمه الله – للكتب الستة.
ثم تبع أبا الفضل على ذلك من جاء بعده، فتبعه ابن عساكر حينما ألف كتاباً في "أطراف السنن الأربعة"، وهو الذي ضمه المزي إلى زيادات خلف الواسطي، وأبي مسعود الدمشقي ليصبح كتاب " تحفة الأشراف".
كذلك الحافظ ابن عساكر له كتاب في شيوخ الأئمة الستة، وهو "المعجم المسند"، وقد ذكر فيه سادس هؤلاء الأئمة ابن ماجه رحمه الله.
ثم تبعها أيضاً الحافظ عبد الغني المقدسي حينما ألف كتابه المشهور " الإكمال في أسماء الرجال" الذي أصبح عمدة لرجال الكتب الستة، وهو الكتاب الذي هذبه المزي –رحمه الله- في كتابه " تهذيب الكمال"، ويعتبر المزي أيضاً ممن جرى على نفس الوتيرة، فتبع هؤلاء في اعتبار سنن ابن ماجه سادس الكتب الستة.
أول من أخرج ابن ماجه من الكتب الستة:
وأما من خالف، فأول من نعرفه خالف في هذا هو رزين بن معاوية العبدري في كتابه "تجريد الصحاح والسنن "، وهو الأصل لكتاب "جامع الأصول" لابن الأثير، فرزين وابن الأثير عدا سادس الكتب الستة "الموطأ" للإمام مالك لا سنن ابن ماجه.
وإنما قدم من قدم سنن ابن ماجه على موطأ الإمام مالك لكثرة زوائد ابن ماجه على الكتب الخمسة، بخلاف موطأ الإمام مالك، فإنه ليس كثير زوائده، بل قد يكون ليس له زوائد على الكتب الخمسة.
والمقصود بالزوائد: الأحاديث المرفوعة، أما بالنسبة للآثار فهذا أيضاً جعلوه من جوانب التفضيل لسنن ابن ماجه على موطأ الإمام مالك؛ لأن موطأ الإمام مالك يشتمل على موقوفات على الصحابة، ومقطوعات على التابعين، وعلى باغات؛ وهي الأحاديث التي يقول فيها ملك: بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو عن ابي بكر كذا، أي أنه يذكر الحديث بلا إسناد، وكذلك المراسيل، فإنها كثيرة أيضاً في موطأ الإمام مالك، فلهذا السبب، وللسبب السابق، وهو وجود الزيادات عن ابن ماجه – قدم من قدم سنن ابن ماجه على موطأ الإمام مالك.
أما من خالف فاعتبر موطأ الإمام مالك هو سادس الكتب الستة، فلأجل أن غالب ما ينفرد به ابن ماجه هو من الأحاديث الضعيفة، فلهذا غضوا الطرف عن سنن ابن ماجه، واعتبروا موطأ الإمام مالك هو سادس هذه الكتب.
مع العلم بأن هذا أيضاً ليس محل الخلاف؛ بل هناك من خالف واعتبر سادس الكتب الستة هو سنن الدرامي أو مسند الدرامي، وهذا أول من أثاره مغلطاي، وتبعه على ذلك العلائي، فقالوا: ينبغي أن يكون سادس الكتب الستة مسند الدرامي أو سنن الدرامي، ولكن مغلطاي زاد على ذلك، فزعم أن الدرامي من ألف في الصحيح، وأنه ممن سبق البخاري إلى التأليف في الصحيح، فهو يقول: ليس البخاري هو أول من ألف في الصحيح المجرد. وانتقده على ذلك الحافظ ابن حجر، ومن أراد أن يطلع هذا فليطالعه في كتاب "النكت".
وقد دلل ابن حجر على أن سنن الدرامي يمكن أن تعتبر صحيحة، وأن مغلطاي حينما أثار هذه الدعوى إنما اعتمد على عبارة جاءت على طرة نسخة من سنن الدرامي، فقد ظن مغلطاي أنها بخط الحافظ المنذري، وإنما هي بخط راو آخر ليس من أهل العلم الذين يعتمد على أقوالهم، ولكن خط يشبه خط الحافظ المنذري؛ لذلك لم يعد أحد سنن الدرامي مما ألف في الصحيح المجرد.
فلذلك خطأ الحافظ ابن حجر مغلطاي على مقولته هذه، مع اعتراف الحافظ ابن حجر بان سنن الدرامي أولى بالتقديم من سنن ابن ماجه؛ لأن الضعيف في سنن الدرامي أقل بكثير من الضعيف في سنن ابن ماجه.
ولكن الذي يظهر أن مثل ابن طاهر المقدسي لم يتلفت إلى سنن الدرامي لأجل احتوائها على الآثار الموقوفة والمقطوعة؛ لذلك غض الطرف عنها.
وإنما قدموا سنن ابن ماجه لأنها متضمنة للحديث المرفوع ولجودة ترتيبها ولجودة سياقه للأحاديث واختصاره للمتون، ولبعض الجوانب قدمت سنن ابن ماجه مع ما فيه من الأحاديث الضعيفة، بل حتى الموضوعة، ويذكر الحافظ الذهبي أن هذا هو الذي حطّ قيمة سنن ابن ماجه عن بقية الكتب الستة، وإلا ففيها جوانب يمكن أن تفضل بها هذه السنن على غيرها).
¥