تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لقد وقع غير قليل من الخلل والانحراف في فهم وشرح مصطلحات القدماء من علماء الحديث، لأنه وقع بون كبير بين طريقة المتقدمين وطريقة المتأخرين في العلم؛ لقد كانت مصطلحات المحدثين معروفة عند أهلها وعند المعنيين بهذا الفن وظلت كذلك في العصور المتقدمة، ولذلك أسباب أهمها قوة هذا العلم حينئذ وكثرة انتشاره وتوافر أهله وقوة معرفتهم بمناهج أئمتهم والمتقدمين عليهم من علماء فنهم، وتمكنهم من لغة العرب وسعة اطلاعهم عليها، وقلة مصطلحات المحدثين حينئذ وبعدها عن التنطع والتدقيق المبالغ فيه؛ وقلة التأثر بالقواعد المنطقية والكلامية؛ فلما قل أصحاب الحديث وضعفت علومهم وصاروا بين الناس غرباء وابتعد الناس عن علم النبوة وكثر فيهم الاهتمام بعلوم الكلام والمنطق ونحوها ازدادت مصطلحات المحدثين عدداً وغرابة فانبرى لشرحها وتوضيحها غير واحد من العلماء، ولكن حصل بعدئذ أن كثرت تقسيمات الشراح لها وتنطع كثير منهم في شرحها وتوزيعها وبيان مراداتها وتحقيق مفاداتها؛ وتباينت المناهج في فهمها واختلفت الأقوال في تفسيرها؛ وتأثرت كتب علوم الحديث – كشأن سائر كتب المسلمين – بعقائد مؤلفيها ومذاهبهم، وبعلوم أجنبية عنها تشبع أو تأثر بها أولئك الشراح.

30 - بيان حكم نقل أقوال العلماء في التعريف بالمصطلحات:

عند شرح المصطلحات في البحوث والمؤلفات فإنه لا معنى للمبالغة في نقل أقوال العلماء ولا سيما من تأخر منهم ومحاولة استيعابها وتوجيهها والجمع بينها والاعتذار عن المخالف فيها ونحو ذلك مما تقل منفعته للقارئ وتثقل مؤنته عليه؛ فينبغي أن يجتنب الإكثار من ذلك إلا عند الحاجة واقتضاء المقام، أو عند توخي الفائدة من ورائه؛ وهذا الأمر يختلف باختلاف المسائل والأحوال والمخاطَبين.

وأما الباحث – أو المصنف - نفسه فإنه ينبغي له قبل الحكم والبت والتصريح بثمرة بحثه: أن ينظر كل ما قيل في شرح مصطلحات المحدث، ولا يهمل شيئاً من ذلك، ولا حتى الأقوال التي يكون الخطأ فيها ظاهراً، فلعله ما من شرح أو قول من تلك الأقوال إلا وهو صحيح، أو يكاد يصح، أو يدل على أصل نافع، أو يشير إلى مسألة بعيدة، أو ينم عن معنى خفي، أو ينبه إلى فائدة ما.

وللشيخ طاهر الجزائري كلام في هذا الباب جيد ولكنْ في بعضه نظر؛ وأنقله هنا ليقف القارئ به على وجه الفائدة من نقل أقوال العلماء في المسألة واختلافاتهم فيها ولكن لا تسلِّم كل ما قاله فيه، وعلى كل حال ففي كلامه بيان لحجج القائلين بتكثير الأقوال واستيعابها فمن قدر على تمييز غثه من سمينه انتفع به واتضح عنده ما ذكرته أنا في الفقرة التي نحن بصدد التعليق عليها؛ قال رحمه الله في (توجيه النظر) (ص43 - 44):

(وقد اعترض بعض الناس على المؤلفين الذين ينقلون في المسألة جميع الأقوال التي وقفوا عليها كما فعله بعض علماء التفسير وعلماء الأصول ومن نحا نحوهم وذلك لجهلهم باختلاف أغراض المصنفين ومقاصدهم ولتوهمهم أن طريق التأليف يجب أن لا يخالف ما تخيلوه في أذهانهم؛ وقد أحببنا أن نختم هذا الفصل بالجواب عن اعتراضهم فنقول:

إن تلك الأقوال إن كانت مختلفة في المآل عرف الناظر الخلاف في المسألة، وفي معرفة الخلاف فائدة لا تنكر، وكثيراً ما يستنبط من أمعن النظر فيها قولاً آخر يوافق كل واحد من الأقوال المذكورة من بعض الوجوه، وكثيراً ما يكون أقوى من كل واحد منها وأقوم؛ وقد وقع ذلك في مسائل لا تحصى في علوم شتى.

وإن كانت تلك الأقوال غير مختلفة في المآل كان من توارُد العبارات المختلفة على الشيء الواحد، وفي ذلك من رسوخ المسألة في النفس ووضوح أمرها ما لا يكون في العبارة الواحدة؛ على أن بعض العبارات ربما كان فيها شيء من الإبهام أو الإيهام فيزول ذلك بغيرها؛ وقد يكون بعضها أقرب إلى فهم بعض الناظرين، فكثيراً ما تعرض عبارتان متحدتا المعنى لإثنين تكون إحداهما أقرب إلى فهم أحدهما، والأخرى أقرب إلى فهم الآخر؛ وهذا مشاهد بالعيان لا يحتاج إلى برهان؛ ومن ثم ترى بعض المؤلفين قد يأتون بعبارة ثم إذا بدا لهم أن بعض المطالعين ربما لم يفهمها أتوا بعبارة أخرى وأشاروا إلى ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير