التليين بعدم إخراج أصحاب الكتب الستة للرجل مع ظهور العذر كما تقدم في ترجمة إبراهيم بن شماس، فأما ابن سعد فلا مظنة للعذر إلا أنهم رغبوا عنه، وأظن الأستاذ أول من منح ابن سعد لقب (الإمام)، ولم يقتصر عليه بل قال: (الإمام الكبير).
انظر (التنكيل) (ص289 - 290).
الجهة الثانية: بيان كثرة علمه وكتبه:
تقدمت شهادة الحسين بن فهم له بكثرة العلم.
وقال المعلمي كما تقدم: (وهو مكثر من الحديث والشيوخ وعنده فوائد كثيرة).
الجهة الثالثة: وصف كتابه (الطبقات):
تقدم قول الخطيب في وصف كتاب (الطبقات): (فأجاد فيه وأحسن).
وقال الذهبي في ترجمة ابن سعد من (السير): (وكان من أوعية العلم؛ ومن نظر في "الطبقات" خضع لعلمه).
وقال ابن الملقن في (المقنع) (2/ 668):
(والطبقات الكبير لابن سعد كاتب الواقدي حفيل كثير الفوائد، وهو ثقة، لكن أكثر الرواية فيه عن الضعفاء، منهم شيخه محمد بن عمر الواقدي، لا ينسبه).
وقال السخاوي في (الإعلان بالتوبيخ) (ص342): (وكذا تكلم في الجرح والتعديل أبو عبد الله محمد بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته بكلام جيد مقبول).
وقال الدكتور زياد محمد منصور في مقدمة تحقيقه لتتمة المطبوع من (الطبقات) (ص76):
(فقد أتقن ابن سعد هذا الفن وأفاد فيه وأجاد، وحسبه في ذلك شهادة النقاد له ونقولهم عنه أقواله في نقد الرجال، كالخطيب البغدادي وابن حجر وغيرهما).
وقال الدكتور زياد - في أواخر ترجمته لابن سعد في المقدمة المذكورة عقب تحقيق في تاريخ وفاته وفي بعض ما ألحق بكتابه بعد وفاته -:
(فيتضح مما تقدم أن هناك تراجم قد أدخلها أحد رواة الطبقات فيه بعد وفاة شيخه ابن سعد.
وليعلم أن كل ترجمة وردت في هذا الكتاب – طبقات ابن سعد – وتاريخ وفاة صاحبها بعد سنة ثلاثين ومئتين فإنها قطعاً ليست من تصنيف المؤلف، وإنما أدخلت مؤخراً بعد وفاته).
قلت: ومن محاسن هذا الكتاب، الخارج ذكرها عن مقصود هذا البحث، هو استيعابه لجملة كبيرة من آثار الصحابة والتابعين؛ وما أنفع وأحسن ما أورده فيه من أقوالهم في الزهد والورع والاجتهاد في العبادة ونحو ذلك.
الجهة الرابعة: بيان ما عليه من مآخذ في نقده:
يعاب على ابن سعد في نقده الرواة وأحاديثهم أربع مسائل:
الأولى: أنه كان متساهلاً في نقد القدماء من الرواة، قال المعلمي في (التنكيل) (ص255) وذكر تساهل ابن حبان: (والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد).
الثانية: يظهر أن ابن سعد كان يتشدد أحياناً في نقد الرواة ممن هم دون التابعين ولا سيما من كان من أهل العراق منهم.
قال الدكتور زياد محمد منصور بعد استقراءٍ عَمِلَهُ للمجلد الذي طبعه من الطبقات، وهو التتمة المذكورة قبل قليل، وذلك في مقدمته (ص76): (يتضح من هذه النماذج أن ابن سعد كان متشدداً في التجريح أكثر منه في التعديل).
ثم فسر هذه العبارة (ص77 بقوله: (--- نجد أن الاعتدال يهيمن على غالبية أقواله، خاصة في التوثيق؛ أما الرواة الذين جرحهم ووافق فيهم بعض النقاد وخالف البعض الآخر، فقد كان حكمه عليهم أشد، نوعاً ما، من حكم أكثر النقاد، غير أنه خالف الجمهور في حكمه على عدد قليل من الرواة) إلى أن قال: (وبعد هذه الموازنة والاستقراء التام لأقواله الواردة في هذا القسم من الكتاب أرى – حسب ما ظهر لي من دراسة هذا القسم – أن يعد ابن سعد في مصاف المعتدلين من بين مراتب النقاد، والله أعلم).
الثالثة: شذوذ ابن سعد في أحكامه على الرواة أحياناً:
وهذه القضية تقتضي التثبت في أقواله في الرواة؛ فإن قيل: إنه ما من ناقد إلا ويشذ أحياناً، قلت: ما عنيت القدر المعروف من الشذوذ، وهو الذي لا يكاد يسلم منه كبير أحد؛ ولكن أردت ما هو أكثر من ذلك؛ ومن راجع تراجم الذين تكلم فيهم ابن سعد وقارن أقواله بأقوال سائر النقاد المتكلمين في أولئك الرواة علم صحة هذه الدعوى؛ ولذلك فإني لا أميل إلى موافقة الدكتور زياد على اختياره لوصف ابن سعد بالاعتدال، في كلامه المتقدم.
الرابعة: أن ابن سعد كان كثير الاعتماد على كلام الواقدي في الرجال وتاريخهم، قال ابن حجر في ابن سعد في (مقدمة الفتح) (ص585) في ترجمة عبد الرحمن بن شريح: (وشذ ابن سعد فقال: منكر الحديث؛ قلت: لم يلتفت أحد إلى ابن سعد في هذا، فإن مادته من الواقدي في الغالب، والواقدي ليس بمعتمد).
¥