وقد ذكره الإمام أبو يعلى الحنبلي في «طبقات الحنابلة»: قال أبو بكر الخلال عن أبي زرعة الدمشقي: إمام في زمانه, رفيع القدر, حافظ, عالم بالحديث والرجال, وصنف من حديث الشام مالم يصنفه أحد , وحدثنا عن أبي مسهر وغيره من شيوخ الشام والحجاز والعراق, وجمع كتابا لنفسه في التاريخ وعلل الرجال, سمعناه منه, وسمعنا منه حديثا كثيرا, وكان عالما بأحمد بن حنبل ويحيى بن معين, وسمع منهما سماعا كثيرا وسمع من أبي عبد الله ((أحمد بن حنبل)) خاصة مسائل مشبعة محكمة سمعتها منه, وقال لي اكتب اسمك على الجزء, فكتبت اسمي بخطي على ظهر جزء المسائل واسم أبي ومن لي ببغداد وخرجت إلى مصر.
قال أحمد ابن عاصم الأقرع: سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: قدمت العراق, فسألني أحمد ابن حنبل: من خلفت بمصر؟ قلت: أحمد ابن صالح. فسر بذكره وذكر خيرا ودعا له الله.
وقد تلقى في شبابه أيضاً الكثير من العلم عن إمام الجرح والتعديل الأكبر, يحيى بن معين, وحضر كثيرا من مجالسه, وننقل من بعض تلك الجلسات مايلي: فعن أبي زرعة الدمشقي، قال: سمعت أبا مسهر يسأل يحيى ابن معين في سنة 214 عن سنه، فقال أنا ابن خمس وستين سنة، قلت له فمن أسن أنت أو أحمد ابن حنبل؟ قال أنا. وقال أبو زرعة الدمشقي: سألني يحيى ابن معين: عن محمد ابن عائذ: فقال: كيف صاحبكم ابن عائذ؟ قلت: بخير يا أبا زكريا. أترى ان نكتب عنه، وهو يعمل على الخراج؟ قال: نعم. ومثل هذا كثير.
وله رحمه الله «تاريخ» مفيد في مجلد، يعتبر أحد أقدم كتب التاريخ, وأنظفها, قد تجده في المكتبات, وقد اقتنيته من مكتبة المتنبي بالدمام, أو على شبكة الإنترنت, وتستطيع تحميله الآن على جهازك, من موقع المشكاة الإسلامية أو موقع صيد الفوائد , وفي كل الأحوال فإنك قد تجد جميع محتوى هذا المجلد متناثرا في أسفار التاريخ المعروفة التالية له كتاريخ دمشق لابن عساكر.
ومما تحفظه كتب التاريخ تلك حول أحد المحن التي تعرض لها, ماذكره أبو القاسم بن عساكر: قرأت في كتاب أبي الحسين الرازي, قال: سمعت جماعة قالوا: لما اتصل الخبر بأبي أحمد الواثق العباسي، أن أحمد بن طولون قد خلعه بدمشق، أمر بلعن أحمد بن طولون على المنابر، فلما بلغ ابن طولون الخبر، أمر بلعن الموفق العباسي على المنابر بمصر والشام، وكان محمد بن عثمان القاضي ممن خلع الموفق من ولاية العهد ولعنه، ووقف عند المنبر بدمشق، ولعنه، وقال: نحن أهل الشام، نحن أهل صفين، وقد كان فينا من حضر الجمل، ونحن القائمون بمن عاند أهل الشام، وأنا أشهدكم أني قد خلعت أبا أحمق, يعني أبا أحمد الواثق, كما يخلع الخاتم من الإصبع، فالعنوه، لعنه الله. فلما رجع أحمد بن الموفق من وقعة الطواحين إلى دمشق، من محاربة خمارويه بن أحمد بن طولون, يعني بعد موت أبيه أحمد بن طولون, وذلك في سنة 271 هـ. قال لأبي عبد الله الواسطي: انظر ما انتهى إليك ممن كان يبغضنا فليحمل. فحمل يزيد بن عبد الصمد، وأبو زرعة الدمشقي، والقاضي محمد بن عثمان، حتى صاروا بهم مقيدين إلى أنطاكية، فبينا أحمد بن أبي الموفق--أصبح الخليفة العباسي بعد ذلك وتلقب بـ المعتضد ــ يسير يوما، إذ بصر بمحامل هؤلاء، فقال للواسطي: من هؤلاء؟ قال: أهل دمشق. قال: وفي الأحياء هم؟ إذا نزلت فاذكرني بهم. قال أبو زرعة الدمشقي: فلما نزل، أحضرنا بعد أن فكت القيود، وأوقفنا مذعورين، فقال: أيكم القائل: قد نزعت أبا أحمق؟ قال: فربت ألسنتنا حتى خيل إلينا أننا مقتولون، فأما أنا: فأبلست، وأما ابن عبد الصمد: فخرس، وكان تمتاما، وكان محمد بن عثمان القاضي أحدثنا سنا، فقال: أصلح الله الأمير، فالتفت إليه الواسطي: فقال: أمسك حتى يتكلم أكبر منك. ثم عطف علينا، وقال: ماذا عندكم؟ فقلنا: أصلحك الله هذا رجل متكلم يتكلم عنا، قال: تكلم, فقال: والله ما فينا هاشمي صريح، ولا قرشي صحيح، ولا عربي فصيح، ولكنا قوم ملكنا حتى قهرنا. وروى أحاديث كثيرة عن النبي في السمع والطاعة، في المنشط والمكره، وأحاديث في العفو والإحسان، وكان هو الذي تكلم بالكلمة التي نطالب بخزيها، ثم قال: أصلح الله الأمير، وأشهدك أن نسواني طوالق، وعبيدي أحرار، ومالي حرام إن كان في هؤلاء القوم أحد قال هذه الكلمة، ووراءنا عيال وحرم، وقد تسامع الناس بهلاكنا، وقد قدرت، وإنما العفو بعد المقدرة. فقال للواسطي: يا أبا عبد الله أطلقهم، لا كثر الله في الناس مثلهم. فأطلقنا، فاشتغلت أنا ويزيد بن عبد الصمد عند عثمان بن خرزاذ في نزه أنطاكية وطيبها وحماماتها، وذهب محمد بن عثمان القاضي إلى حمص.
وقد توفي رحمه الله سنة 281 هـ وومن توفي معه في هذا العام أيضا من الكبار, الحافظ الإخباري غزير المصنفات, أبو بكر ابن أبي الدنيا القرشي.
ثناء العلماء عليه
أبو زرعة الدمشقي: أعجب أبو مسهر بمجالستي إياه صغيرا
أحمد بن أبي الحواري: هو شيخ الشباب
ابو حاتم الرازي: صدوق
ابن أبي حاتم الرازي: كان ..... يتبع
¥