تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قيل إن العرب قد أوقعتا الاثنين موقع الواحد (19)، كما في قوله تعالى: (ألقيا في جهنم كل كفار عنيد) (ق: 24) وقد قال ابن تيميه عن هذا: إنه لا أصل له وإنه ممنوع (20)، ومن ذلك قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان) (الرحمن: 66) وما قاله ابن تيميه صحيح لأنّ القول الأول (فضلاً عمّا فيه من تصحيح بمماثلة القرآن للشعر يمس قضية أخطر من ذلك إذ يؤدي إلى القول بمخالفة التعبير القرآن للحقيقة لأنه يقول (جنتان) فيثني، والحاصل أنها جنة واحدة) (21)، ومثل هذا القول لم يُرْضَ في الشعر فكيف في القرآن قال لبيد (22):

نحن بني أم البنين الأربعه المطعمون الجفنة المدعدعه

قيل: هم خمسة فجعلهم للقافية أربعة (23)، وقيل لوزن الشعر (24) وردّ صاحب الخزانة هذا ونسبه إلى الفراء وقال عنه: هو قول فارغ (25) وقال السهيلي: (إنما قال الأربعة وهم خمسة؛ لأن أباه ربيعة قد مات قبل ذلك لا كما قال بعض الناس وهو قول يعزى إلى الفراء أنه قال ... من أجل القوافي فيقال له: لا يجوز للشاعر أن يلحن لإقامة وزن الشعر، فكيف بأن يكذب لإقامة الوزن ... ) (26)، ولم تخرج أقوال المفسرين المحدثين في مثل: (ألقيا في جهنم ... ) عن أقوال السابقين، فقد قيل تثنية الفاعل لتثنية الفعل والمعنى: ألق ألق للتأكيد (27)، وقيل إنه خطاب للسائق والشهيد (28) وقيل: إن الألف في (ألقيا) بدلٌ من النون؛ إجراءً للوصل مجرى الوقف (29) يؤيده قراءة الحسن (ألقينْ) بالنون الخفيفة (30) ... وكذلك في قوله تعالى: (ولمن خاف مقام ربه جنتان)، قيل: الخطاب للثقلين فكأنه لكل طائفتين منكما جنتان جنة للخائف الإنسي وجنة للخائف الجني (31)، وقيل بستانان من بساتين الجنة (32)، وقيل: جنة لفعل الطاعات وجنة لترك المعاصي؛ لأن التكليف دائر عليهما (33)، وقيل: جنة من ذهب وجنة من فضة (34) ... الخ (35)، وقد يبدو للوهلة الأولى تعارض المفسرين بينهم في تفسير هذه الآية إلا (أن طبيعة هذا (الميكانزم) (36) اللغوي للمثنى أنه يسمح بأكثر من تفسير له ولا يقيده بتفسير واحد ... فهذا كله تُفسَّر فيه صيغة التثنية بالحرف بصيغةٍ من التثنية بالعطف، وتعبِّر التثنية بالعطف فيه عن نفسها بأمثلة متعددة ... وهذا كله يشهد على قابلية الصيغة لصور متعددة من التعبير وأنَّ هذه الصور إنما هي في سبيل إشباع المبدأ الفكري أو الصيغة ... ويدل على أن النشاط التعبيري إنما ينهض بحفظ الروح الثقافي الكامن وراء التعبير) (37).

وقد استخدم الأسلوب القرآني أسلوب التثنية للتعبير وإرادة الجمع (واعلم أنه قد جاءت التثنية يراد بها الكثرة ... ) (38)، قال تعالى: (ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير) (الملك: 4) وأغلب المفسرين على أن (كرتين) يراد بها الجمع (كرات) لا التثنية (39)، وإن قال بعضهم بإرادة التثنية (40) وليس بين القولين تعارض أو في استخدام مثل هذا الأسلوب مخالفة المدلول للدال عليه، فمن قال بأن (كرتين) يراد بها كرات جعل كرتين كقولك: (لبيك ... ) وتريد إجابات كثيرة بعضها في إثر بعض (41)؛ لأن بعدها (ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير) أي مزدجراً كليلاً، ولا ينقلب البصر مزدجراً كليلاً من كرتين فقط فتعيَّن أن يكون المراد بـ (كرتين) التكثير لا الكرتين فقط … (42) ورجوع البصر كليلاً مزدجراً عند من قال بالمرتين حاصلٌ أيضاً فالمنصوص هنا إرجاع البصر كرتين، ولكنَّ حقيقة النظر أربع مرات الأولى في قوله تعالى: (ما ترى في خلق الرحمن …) (الملك: 3) والثانية في قوله تعالى: (فارجع البصر هل …) (الملك: 3) والثالثة والرابعة في قوله تعالى: (ثم ارجع البصر كرتين) وليس بعد معاودة النظر أربع مرات من تأكيد (43).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير