تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

السفن هو الرحمة بها ولو أنّها جمعت فقد يدلّ الجمع على مجيء الريح من مهابٍ متعددة وفي ذلك دمارٌ لها) (71).

وقد يعبر القرآن عن المعنى الواحد بعدة أساليب بل قد يعبر عن هذا المعنى بالأفراد والتثنية والجمع معاً قال تعالى: ( ... رب المشرق والمغرب .. ) (المزمل: 9) وقال تعالى: (ربّ المشرقين وربّ المغربين) (الرحمن:17) وقال تعالى: (ربّ المشارق والمغارب) (المعارج: 40)، فإننا هنا أمام تعابير تختلف من حيث الأفراد والتثنية والجمع، وأظنني قد استطعت من كل ما سبق أن أصل إلى ما أردت تأكيده بدايةً، وهو أنّ كل مفردة في سياقها تأتي مختارةً بصوتها ودلالتها وبنيتها وحالها بما يخدم ويوافق دلالة السياق العامة من غير ما تجاوز لأي حقيقةٍ لغوية كانت أم تاريخية أم علمية وبما يتناسب مع كل المستويات الفكرية فتباين هذه المفردات أعطى وعلى اختلاف العصور قراءاتٍ متعددة متباينةٍ من حيث الظاهر إلا أنها وباجتماعها تحقق تكاملاً دلالياً أو صورياً من غير ما تجاوز لطبيعة البنية الكلية لكل سياقٍ من هذه السياقات، فبناء النص القرآني أثبت قبوله لقراءات متعددة على مر الزمن وبما لا يحقق تعارضاً ما دامت هذه القراءات تعتمد على أساسٍ لغوي سليم، فيمكن القول بإرادة معنى (رب المشرق والمغرب) في كل هذه التعابير فيكون المراد بالمشرقين المشرق والمغرب، وبالمغربين المغرب والمشرق (على التغليب) فيكون في ذلك تكرير لتعظيم أمر المشرق والمغرب وقال بعض المفسرين: المشرقان هما مشرق الشمس في الصيف ومشرقها في الشتاء والمغربان مغربها في الصيف ومغربها في الشتاء (72) ... الخ، وكذلك كان الاختلاف في المغارب والمشارق وقد تنبه الشعراوي إلى مناسبة التعبير حجم التفكير للعقل البشري في وقت نزول القرآن وحجمه في يومنا هذا بل قارن ما كان عليه الفهم له في ذلك الوقت فعندما يقول القرآن رب المشرق والمغرب فليس هناك تعارض بين العقل والآية في ذلك والتثنية معناها أن تجمع بين عمومية الجهة وهي الشرق وبين المكان المحدد لشروق الشمس بمعنى أنك تقول هذا هو الشرق .. وهذا هو الغرب وتشير بيدك فإذا أردت أن تحدد مكان شروق الشمس فإنك تقول إن الشمس تشرق من هنا وتحدد المكان بالضبط، أما الجمع فتفسيره أن كل بلدة لها مشرق ولها مغرب ومن هنا فإنّ الله سبحانه رب المشارق كلها والمغارب، أما ما يفهم من هذه التعابير اليوم فرب المشرق والمغرب التي قيل عنها عمومية تأخذ طابعاً آخر من خلال فهم طبيعة الاقتران فيها لأنه لا يوجد مشرقٌ دون مغرب لأنّ كروية الأرض تحتم ذلك، ففي الوقت الذي تغرب فيه الشمس على جهة تكون في الوقت نفسه تشرق على جهة أخرى إذن قوله تعالى: (رب المشرق والمغرب) أصحُّ من أن يُقال (رب المشرق ورب المغرب) كما في (رب المشرقين ورب المغربين)، فقوله تعالى يشير إلى أن عملية الغروب تقابل في الوقت نفسه عملية الشروق حيث كان الفهم أنهما جهتان متقابلتان بالنسبة للعين المجردة أما التثنية فلأن الكرة الأرضية في عموميتها لها مشرقان مشرقٌ تضيء منه الشمس نصف الكرة ومغرب ثم تستدير الكرة كلها فيأتي نصف الكرة الآخر فيكون له مشرقٌ ومغرب، أما قوله تعالى: (رب المشارق والمغارب) فأنه لا يوجد مشرق واحد ولا مغرب واحد لأي دولة في العالم وإنما هي مشارق ومغارب فزاوية الشرق والغروب تتغير، ففي كل جزء من الثانية مشرق تشرق الشمس فيه على مدينة وتغيب فيه عن مدينة أخرى وعلى الرغم من أن جهة الشروق واحدة إلا أن المشرق تختلف زاويته كل يوم وكذلك المغرب والدليل على ذلك اختلاف وقت الإفطار والإمساك من يوم لأخر ومن مدينة لأخرى في رمضان مثلاً (73).

وإذا كان في هذا إجابة شافية لاختلاف بنية المفردة إلا أن سؤالاً يبقى بلا إجابة عند المحدثين وهو لماذا اختير كل تعبير في آية وسياقٍ يختلف عن الآخر وبصورة أدق لماذا جاءت كل بنية في سياق وما علاقتها به؟ والعجيب أن تأتي الإجابة عن مثل هذا التساؤل من (ابن القيم) وبفكرة السياق نفسها التي تلهج بها الدراسات الحديثة إذ يقول: وأما وجه اختصاص كل موضعٍ بما وقع فيه فلم أرَ أحداً تعرض له ولا فتح بابه وهو بحمد الله بينٌ من السياق (74)، فقد ورد مثنى في سورة الرحمن لما كان مساق السورة مساق المثاني المزدوجات حيث ذكر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير