تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أولاً نوعي الإيجاد والتعليم (75)، ثم ذكر سراجي العالم الشمس والقمر لذلك حسنت التثنية هنا وقدّر موضعهما اللفظ مفرداً ومجموعاً تجد السمع ينبو عنه ويشهد العقل بمنافرته للنظم أما ورودهما مفردين في سورة المزمل فلما تقدمهما من ذكر الليل والنهار .. فلما تقدم ذكر الليل وما أمر به فيه وذكر النهار وما يكون فيه عقب ذلك بذكر المشرق والمغرب الذين هما مظهر الليل والنهار فكان ورودهما مفردين في هذا السياق أحسن من التثنية والجمع .. أما مجيئهما مجموعين (فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدلَ خيراً منهم وما نحن بمسبوقين) (المعارج: 41) فلما كان في هذا القسم في سياق سعة ربوبيته وإحاطته قدرته والمقسم عليه أرباب هؤلاء .. فلا يليق بهذا الموضع سوى لفظ الجمع (76).

رابعاً: تباين صيغ الجموع:

لابد أن يكون هناك سبب لتخصيص الآية بالجمع الذي وردت عليه دون الآخر لأن القرآن لا يستعمل صيغة جمع في أي مكانٍ اعتباطاً وإنما يُراعى في ذلك السياق، فالأوزان المختلفة لها معانٍ مختلفة (77)، وقد ذهب الدكتور إبراهيم السامرائي على أن العربية خصّت صيغة جمع بمفردٍ معين في الدلالة على مادةٍ من المواد كما خصت صيغة جمع آخر بالمفرد نفسه في الدلالة على مادةٍ أخرى فالعين وهي الباصرة قد جُمعت في القرآن على (أعين) وعين الماء قد جمعت في القرآن نفسه على عيون (78)، قال تعالى: (وفجرنا الأرض عيوناً) (القمر: 12) وقال تعالى: ( .. فطمسنا أعينهم) (القمر: 37) غير أن الدكتور فاضل السامرائي لا يرى في مثل هذا شيئاً خصت به العربية صيغة الجمع وإنما هو مما خصّ به القرآن الكريم قسماً من الجموع في الاستعمال فقد خصَّ استعمال الحمير مثلاً حيث وردت بالأهلية من الحُمُر قال تعالى: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة .. ) (النحل: 8) وخصَّ الحُمُر بالوحشية قال تعالى: (كأنهم حُمُرٌ مستنفرة فرّت من قسورة) (المدثر: 50 - 51) (79) ولعل السبب في هذا الاستخدام أن سياق آيات المدثر كان مسوقاً لتصوير فزعِ ورعبِ هؤلاء فاقتضى أن يشبههم بالوحشي من الحمر لما عُرف عنه من شدة الحذر والفزع الدائم في حين كان سياق آيات النحل مسوقاً في مقام التنعيم والتفضل لذلك ناسب السياق مجيء التعبير بالحمار الأهلي لأن الأخبار عن الركوب والحمل وهو محلهما - والله أعلم -.

اختلاف المفردة مشتقةً وجامدة:

تقدم أنّ الأسلوب القرآني يتميز بالتوظيف الدقيق المؤدي إلى السعة في المعنى بأوجز لفظٍ حتى أن المفردة لتكاد تتفجر مؤديةً أكثر من وظيفةٍ دلالية يستدعيها السياق ومن هذا التوظيف الدقيق دقة الاستخدام للمفردة من خلال اختلافها مشتقة وجامدة يقول الدكتور محمود نحلة: أنّ التعبير القرآني قد يلجأ إلى التعبير عن اسم جامدٍ بآخر مشتق لهدفٍ فني أو بلاغي فيعدل عن ذكر اسم جامدٍ من أسماء الذوات لأنّ له تصوراً محدداً في الذهن ويذكر اسماً مشتقاً يشتمل على صفةٍ من صفات هذا الاسم الجامد ومن ثمّ تتعدد الاحتمالات الذهنية لهذا الاسم الذي ينطبق عليه هذا الوصف المتضمن في الاسم المشتق، وهذا التعدد في الاحتمال يُكسب التعبير القرآني ثراءً وغنى وينأى به عن التقريرية المباشرة التي لا يحتاج الإنسان معها إلى إعمال فكرٍ أو نظر (80).

قال تعالى: (والنازعات غرقاً والناشطات نشطاً والسابحات سبحاً فالسابقات سبقاً فالمدبرات أمراً) (النازعات: 1 - 5) وقال تعالى: (وشاهدٍ ومشهود) (البروج: 3) إذ ورد في تفسير قسمه تعالى هنا سبعة وعشرون قولاً (81)، وقد ذهب القاسمي هذا المذهب ذاكراً أنّ اللفظ متسعٌ لما ذُكر من المعاني بلا تدافعٍ ولا إمكان للجزم بواحدٍ منها إذ لا قاطع (82)، وهذا هو رأي الطبري فبعد نقله للأقوال في قوله تعالى: (وشاهد ومشهود) قال: (والصواب عندي أنه صالحٌ لكل ما يقال له مشاهد ويقال له مشهود (83)، وقال عند قوله تعالى: (والنازعات غرقاً .. ): الصواب عندي أن يقال أنه تعالى أقسم بالنازعات غرقاً ولم يخصص نازعةً دون نازعة، فكل (نازعةٍ غرقاً) فداخلة في قسمة مَلَكَاً أو نجماً أو قوساً أو غير ذلك وهكذا في البقية (84)، والسبب في الاختلاف أنه (لما كانت الموصوفات المقسم بها محذوفات وأقيمت صفاتها مقامها وكان لهذه الصفات

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير