وفي كتاب "المقنع" لأبي عمرو الداني رحمه الله: ... ولا مخالف له في ذلك من علماء الأمة.
قال الجعبري: وهذا مذهب الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، ومعنى الكتبة الأولى تجريدها من نحو النقط والشكل ووضعها على مصطلح الرسم من البدل أو الزيادة او الحذف.
وقد ساقه العلامة أبو بكر الطرطوشى في كتابه القيم "البدع والحوادث" فقال: ومن ذلك ما روي في المستخرجة قال: كره مالك ان يكتب القرءان أسداسا وأسباعا في المصاحف، وشدد في الكراهية، وعابه، وقال: قد جمعه الله تعالى وهؤلاء يفرقونه.
قيل لمالك: هل يكتب في السورة عدد آيها؟ فكره ذلك في أمهات المصاحف وكره أن يشكل أو ينقط، فأما ما يتعلم فيه الصبيان وألواحهم فلا بأس به.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أنه كان يكره أن يشكل المصحف أو يزاد فيه شيء.
وأخرج أيضا عن الثوري عن مغيرة عن ابراهيم أنه كان يكره في المصحف النقط والتعشير، قال سفيان: أراه نقط العربية.
وقد أخرج الداني من طريق هُشيم عن مغيرة عن ارباهيم النخعي أنه كان يقرأ نقط المصاحف.
هذا وإن بعض أئمة السلف أجازوا نقط المصاحف منهم الحسن البصري رحمه الله فقد أخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن كثير عن شعبة قال: أخبرني محمد بن سيف أبو رجاء قال سألت الحسن عن المصحف أينقط بالعربية، قال لا بأس به، أما بلغك كتاب عمر بن الخطاب؟ كتب: تفقهوا في الدين وأحسنوا عبارة الرؤيا وتعلموا العربية.
وسألت محمد بن سيرين فقال: أخشى أن يزاد في الحروف، قال وأخبرني منصور قالك سألت الحسن وأين سيرين عنه فقالا: لا بأس به.
وأخرج الداني رحمه الله بسنده إلى الحسن رحمه الله قال: لا بأس به مالم تبغوا وفي رواية لا بأس بنقطها بالأحمر، وفي رواية عن اشعث عن الحسن قال لا بأس بنقط المصاحف، و كرهها ابن سيرين.
ويمكن القول بأن المنع للمصاحف للكبار التي هي مرجع الأمة إليها وأن الرخصة للمصاحف التي تخص التعليم كما هو قول مالك رحمه الله الذي أشار إليه الناظم، وقد كان للسلف رحمهم الله مصاحف كبار نسخوها عن مصاحف الصحابة رضي الله عنهم، ثم كان لهم مصاحف أخرى لتعليم الصبيان وغيرهم وهذا ما قصده الإمام مالك وغيره في المنع مرة وفي الجواز مرة أخرى.
وقد أشار العلامة أبو القاسم في العقيلة إلى قول مالك بالمنع فقال:
وقال مالكٌ القرآنُ يُكْتَبُ بالْـ - ـكتابِ الاوَّلِ لا مُسْتَحْدثاً سُطِرا
وقال مُصْحفُ عثمانٍ تغيَّبَ لم - نجدْ لهُ بين أشياخِ الهُدى خَبَرا
أبوعُبَيْدٍ أولوا بعضِ الخزائنِ لى - إستخرجُوهُ فأبصرْتُ الدِّمَا أَثَرا
وردَّهُ ولدُ النَّحاسِ مُعتَمِداً - ما قَبْلَهُ وأباهُ مُنْصِفٌ نَظََرا
إذْ لم يقُلْ مالِكٌ لاحَتْ مهالِكُهُ - ما لا يفوتُ فيُرْجَى طالَ أو قَصُرا
وقال عبد الواحد في "فتح المنان": اعلم أن هذه النقول المتقدمة أكثرها مجمل لم يبين فيه ما المراد بالنقط، هل هو نقط الإعجام الدال على ذات الحرف، أونقط الإعراب ونحوه الدال على عارض الحرف من فتح وضم وكسر وسكون وشد ومد ونحو ذالك، وقال في المحكم: والشكل المدور يسمى نقطا لكونه على صورة الإعجام الذي نقط بالسواد، والشكل أصله التقييد والضبط، شكلت الكتاب شكلا أى قيدته وضبطته، وشكلت الدابة شِكالا وشكلت الطائر شكولا، والشكل الضرب المتشابه، ومنه قوله تعالى: "وءاخر من شكله أزواج" أي من ضربه، ومثله قول الرجل: ما أنت من شكلي أي من ضربي، والشكل المثل، وأشكل الأمر إذا اشتبه، والقوم أشكال أي أمثال، ونقول أعجمت الكتاب إعجاما إذا نقطته، وهو معجم، وأنا له مُعجِم، وكتاب مُعجَم ومُعجَّم أي منقوط، وحروف المعجم الحروف المقطعة من الهجاء، وفي تسميتها بذالك قولان:أحدها أنها مبينة للكلام، مأخوذ ذلك من قولهم أعجمت الشىء إذابينته، وثانيها أن الكلام يختبر بها، مأخوذ ذالك من قولهم عجمت العود وغيره إذا اختبرته، وقال أبو بكر بن مجاهد في كتابه "النقط": الشكل سمة للكتاب، كما أن الإعراب سمة لكلام اللسان، ولولا الشكل لم تعرف معاني الكتاب، كما لولا الإعراب لم تعرف معاني الكلام، والشكل لما أُشكِل.
¥