وتأمل هذا المعنى تجده أشد مطابقة لألفاظ القرآن ومعانيه ولهذا [أ] وقع على المسلمةِ امرأةِ الكافر، وعلى الكافرةِ امرأةِ المؤمن: لفظَ المرأة، دون الزوجة، تحقيقاً لهذا المعنى والله أعلم.
وهذا أولى من قول من قال: إنما سمى صاحبة أبي لهب امرأته ولم يقل لها: زوجته، لأن أنكحة الكفار لا يثبت لها حكم الصحة بخلاف أنكحة أهل الإسلام، فإن هذا باطل بإطلاقه اسم المرأة على امرأة نوح وامرأة لوط مع صحة ذلك النكاح.
وتأمل في هذا المعنى في آية المواريث وتعليقه سبحانه التوارث بلفظ الزوجة دون المرأة كما في قوله تعالى (ولكم نصف ما ترك أزواجكم) [النساء 12] إيذاناً بأن هذا التوارث إنما وقع بالزوجية المقتضية للتشاكل والتناسب؛ والمؤمن والكافر لا تشاكل بينهما ولا تناسب فلا يقع بينهما التوارث.
وأسرار مفردات القرآن ومركباته فوق عقول العالمين). انتهى.
والحاصل من كلام ابن القيم وغيره أن لفظة (زوج) ترد في القرآن في معرض الامتنان وبيان النعمة أو الإشارة إلى ما في الزواج من آيات عظيمة عند التأمل؛ كقوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم 21]
وترد كذلك في معرض الإشفاق والتراحم والدعاء بالصلاح ولا سيما إذا ذكر في السياق الذرية كما في قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) [الفرقان74].
وترد كذلك عندما تكون المرأة مهيأة للإنجاب، وتهيؤها للإنجاب راجع إلى مسألة النعمة المتقدم ذكرها، وإلى المقصد الأكبر من الزواج، وهو الإنجاب، قال تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) [النساء 1].
وقال تعالى لما استجاب دعاء زكريا في طلب الولد فتحققت واحدة من أعظم غايات الزواج (فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه) [الأنبياء 90].
ولكنه تعالى قال في حكاية دعاء زكريا قبل ذلك الإصلاح: (وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليا) [مريم 5]. وكذلك قوله (قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر).
وأيضاً ترد لفظة (زوج) دون (امرأة) عند حصول الانسجام والمحبة والمودة والتراحم والسعادة بين الرجل وزوجته، وهذا أيضاً من كبار مقاصد الزواج عند الناس؛ ومن استقرأ مواضع ورود ذكر نساء أهل الجنة في سياق ذكر الجنة في القرآن يجد أنه لم يرد في تلك المواضع إلا لفظة (أزواج)؛ وذلك في آيات عديدة ضمن سور كثيرة.
ولكن إذا تعطلت الزوجية عن السكن والمودة والرحمة بخيانة أو تباين في العقيدة أو بعقم، فالبيان القرآني يستعمل لفظة (امرأة) لا زوج؛ كقوله تعالى: (امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ) [يوسف 30]
وقوله تعالى: (امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا).
وقال تعالى (امرأة فرعون) ولم يقل (زوج فرعون) [التحريم 11] بسبب إيمانها وكفره.
الفائدة الثامنة:
حول استعمال (يسعى) و (يمشي) في القرآن الكريم
قال ابن القيم في (التبيان) ص6 - 7 في قوله تعالى (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى) الآية قال:
(ولفظ السعي هو العمل لكن يراد به العمل الذي يهتم به صاحبه ويجتهد فيه بحسب الإمكان، فإن كان يفتقر إلى عدْو بدنه عدا، وإن كان يفتقر إلى جمع أعوانه جمع، وإن كان يفتقر إلى تفرغ له وترك غيره فعل ذلك؛ فلفظ السعي في القرآن جاء بهذا الاعتبار، ليس هو مرادفاً للفظ العمل كما ظنه طائفة بل هو عمل مخصوص يهتم به صاحبه ويجتهد فيه؛ ولهذا قال في الجمعة (فاسعوا إلى ذكر الله)؛ وهذه أحسن من قراءة من قرأ (فامضوا إلى ذكر الله).
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا؛ فلم ينه عن السعي إلى الصلاة فإن الله أمر بالسعي إليها، بل نهاهم أن يأتوا إليها يسعون فنهاهم عن الإتيان المتصف بسعي صاحبه والإتيان فعل البدن وسعيه عدو البدن وهو منهي عنه.
¥