[المقاصد تدعو الى التوفيق ونبذ الخلاف]
ـ[عمر الريسوني]ــــــــ[02 - 04 - 09, 02:45 م]ـ
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
ذهب البعض من رجال الأصول أن الغاية من علم الأصول هي الوصول الى معرفة مقاصد الشريعة، لأن البحث في الكتاب والسنة والاجماع وغيره من مصادر التشريع والتعمق في فهم الدلالات والمفاهيم وصيغ الأمر والنهي والتباين والترادف والاستثناء والتخصيص والاشتراك، وأيضا معرفة الحروف ومعانيها وبعض أسرار اللغة كل هذه المواضيع تنقل الباحث الى توجيه قويم حتى لا يضل المقاصد التشريعية التي كان يفهمها عصر الرسول عن طريق الفكرة ويفهمها من والاهم من التابعين بالاختلاط وتبادل الأسئلة والأجوبة أما العصور التي تليها فقد دعت الضرورة الى معرفة القواعد اللغوية وفهم النصوص القرآنية والحديثية ومصطلحات الفقهاء والممارسة الدؤوبة ليتمكن المرء من معرفة مقاصد الشريعة والتكاليف السماوية على وجهها الصحيح.
ومعرفة مقاصد الشريعة ليس هينا ولا يسيرا، فلقد قال الامام الشاطبي في احدى مقدماته: ان الانسان لا يستطيع أن يصل الى درجة تمكنه من معرفة المقاصد الشرعية الا بعد أن يقضي عمرا ليس باليسير في الجد والاجتهاد تاليا وحافظا ومستوعبا وباحثا ومنقبا في كتب الشريعة بل ومجادلا فيها مع هذا وذاك، ومستخلصا الحقائق من قراع الأخذ والرد بين رجال التفسير والحديث والفقه واللغة حتى يتربع المكانة المرموقة في ذلك ويشار اليه اشارة التقدير والاحترام ويسلم اليه بالحذق والمهارة في معرفة الأحكام الفقهية والنوازل الشرعية والتأويلات الموفقة ففي هذه الحالة يكون المتصدي في هذا الميدان قد بلغ درجة معرفة المقاصد الشرعية وأهدافها، ويمكن له أن يعرف الكثير من الوارد عليه منها ويتوقف في القليل منها لمراجعته في أبوابه والرجوع الى مصادره والوقوف على ما أورده العلماء المبرزون في ذلك وقليلا ما يزيغ أمثال هؤلاء عن المقاصد الشرعية وحتى ان حدث منهم خطأ فانه خطأ غير مقصود لا يأثم عليه.
وهذا ان دل على شيء فانه يدل على قصد جليل وعظيم ويحطم أقوال الدهريين والملاحدة والاباحيين وغيرهم ممن انساقوا مع أقوال بعيدة كل البعد عن المنطق والمعقول وليدركوا أن الكون لم يكن ايجاده على هذه الهيئة وبهذه الدقة التي رتب عليها لم يكن أمرا اتفاقيا انبثق من ذاته بل تضبطه غايات حكيمة ويخضع لنظام لا يختلف ترتيبه ولا يتغير تنظيمه.
كما أن هذه المقاصد تحتم على المسلمين توحيد رِؤاهم ونبذ الخلافات المذهبية والطائفية بينهم ويسددوا ويوفقوا ويقربوا ما أمكنهم من جهد وينظروا بعين مستبصرة ويعملوا على اصلاح المجتمع على بينة من هذه المقاصد التي تحمل في حقيقتها الخير والصلاح للفرد والمجتمع.
والله تعالى أعلم وأقدر على التقدير المحكم الذي يرمي الى مقاصد مقصودة ومرامي مقدرة، وهذا فيه تبصرة للذين لا يقولون بعدم العلية لوجود المعلولات، والذين لا يقفون مع الأسباب لوجود المسببات، ولا يقرنون الحكمة الداعية بالمحكوم.
وهذا العصر يفتح آفاقا شتى لمعرفة المقاصد والمناهج التشريعية، وفق مقاصد هائلة يعرفها العقل الفاحص المتدبر، ومعرفة المقاصد ناتج بالضرورة عن معرفة الأحداث كانت مادية أو كانت معنوية، كما أنه من الأجدر اذا اتجهنا الى معرفة المقاصد في التشريعات الالهية أن نعرف ما يحيط بنا والحكمة والغاية من هذا الوجود الذي أصبغ الله فيه من نعمه ظاهرة وباطنة.
فكل جزئية مهما صغرت لم تخلق عبثا بل أوجدها لحكمة وغاية مقدرة، وكل حكم من الأحكام الشرعية الا ونجد من ورائه حكمة جلية.
قال الامام الشاطبي: زعم الرازي أن أحكام الله ليست معللة بعلة، ويقول: والمعتمد أن استقراءنا للشريعة أظهر أنها وضعت لمصالح العباد، وهذا الاستقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غيره.