تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[التمييز بين الوسائل المتغيرة والمقاصد الثابتة]

ـ[أبو أمين الزبير]ــــــــ[25 - 11 - 08, 02:42 ص]ـ

ما رأي الإخوة الأفاضل في هذا الكلام:" من أسباب الخلط والزلل في فهم السنة التركيز على الوسائل باعتبارها مقصودة في ذاتها, في حين أنها تتغير من عصر الى عصر, ومن بيئة الى بيئة , ومن ذلك مثلا تعيين السواك لطهارة الفم فالهدف هو طهارة الفم ونص الحديث على السواك إنما لبيان الواقع لا لنقف عنده ولانفكر في غيره".؟؟؟

ـ[القرطاس مذهبي]ــــــــ[25 - 11 - 08, 08:48 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخوة الأفاضل في المنتدى رعاهم الله تعالى

لم تكن لي مشاركات كثيرة من قبل، وإن كنت أقرأ الكثير من المشاركات لأنني منشغلٌ جدا بين التّدريس والكتابة لكنّني رأيت من اليوم فصاعدا أن أدلي بطرف من الدّلو لعلّي أن أكونَ قد زّكّيتُ ما أكرم الله تعالى به، فأقول:

إن الكلام على الوسائل والمقاصد من الأمور العظيمة الّتي تنبّهت لها الأمّة في مرحل مُبكّرة من عُمرها، ولا أريدُ أن أنقل كيف تجلّى ذلك في حياة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وفي حياة الصّحابة فمن أراد ذلك فعليه أن يعودَ إلى المظانّ في أمثال كُتُب الشّاطبيّ، والعزّ بن عبد السلام، والقرافيّ وشيخي الإسبام ابن تيميّة وابن القيّم (رحمهم الله تعالى جميعا)، ولعلّ أهمّيّة معرفة الوسائل وما يجوز فيها وما لا يحوز وطبيعتها يهمنها سيّما بعد أن نعاود على مسامعنا ترديد ما قاله الإمامُ اعزُّ بن عبد السّلام (رحمه الله تعالى) في كتابه الّذي لا يُقدّر بثمن - لا والله- القواعد الصّغرى- حيثُ يقول: "واعلم أن فضل الوسائل مترتب على فضل المقاصد" ... فإنّ للوسائل أهمّيّةٌ إذن وأهمّيتها من مقاصدها الّتي جاءت لتحقيقها ...

ولأنني لا أريدُ أن أكتب بحثا علميّا هنا، ولست بصدد الاستدلال لكلامي من كتب الثقات لأنّ الوقت يضيق بالمرء، لكنّ لا بدُ - مع ذلك كله- أن أقف عند بعض الملاحضات على الوسائل ....

من المعروف أن من الوسائل ما هو محرّم ومنها ما هو مباح، حتى أكّد العزّ بن عبد السلام - رحمه الله تعالى- بقوله: "وإثم وسائل المفاسد دون إثم المفاسد كما أن أجر وسائل المصالح دون أجر المصالح وقد يتوصل بالقول الواحد والعمل الواحد إلى ألف مصلحة وألف مفسدة" ... وهذا كلام لطيفٌ عزيزٌ فاحرص عليه -يرحمك الله تعالى- إذن فيمكن القول: إن الؤسائل تقسّم إلى وسائل محرّمة وأخرى مباحة

ومن الوسائل ما هو مقصودٌ لذاه منها ما هو غيرُ مقصودٍ لذاته ... فليس في ذلك تعارض فتكن الوسيلة مقصدة من جهة وهي وسيلةٌ إلى غيرها من جهة أخرى ... كالإعداد فهو مقصودٌ من جهة - بصريح الآية الكريمة- وهو وسلةٌ للقيام بأمر الجهاد من باب آخر، وكذلك الوضوء فهو مقصودٌ لذاته - خلافا للحنفيةِ الذين يرونَ أن الوضوء غير مقصودٍ لذاته ولذلك لم يشترطوا النيّة وإنّما استحبوها، بخلاف النيّة في الصلاة والصّوم فقد اشترطوها- والوضوءُ وسيلة لاستباحة الصلاة من جهة أخرى.

أقول إذا كانت الوسلة محرّمة لذاتها أو لغرها فلا يجوز استحداثها، وإذا كانت تعبّديّة أو جاءت خادمة لمقصد تعبدّيّ فإنّه لا يجوز الابتداع بها أيضا

كما انّ الوسائل المُباحة تقسّم إلى وسائل مقاصدها تعبّدية ووسائل أخرى مقاصدها عاداتيّه أو خادمة لأمور تعبّدية أو عاداتيّة

وقد قال الإمام الشاطبيّ في الاعتصام ما نصّه: "القسم الخامس: البدع المباحة وهي ما تناولته أدلة الإباحة وقواعدها من الشريعة كاتخاذ المناخل للدقيق ففي الآثار: أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخاذ المناخل لأن تليين العيش وإصلاحه من المباحات فوسائله مباحة" في قوله إن تليين العيش وإصلاحه من المباحات فالوسائل المفصية إليه مباحة فيه دلالة واضحةٌ على أنّ الوسيلة المرادة هُنا ليست عبادة بذاتها وليست مُرادة لذاتها ولأجل ذلك جاز أنْ تُستَحدَث، خِدمَة للمَقصِد الّذي كان مُباحا - أو مندوبا أو مأمورا به على سبيل الحتم-.

وأمّا إن كانت الوسيلة مُرادة لذاتها من جهة وهي وسيلةٌ لغيرها من جهة أخرى أو أنّها كانت عِبادة وهي وسيلة إلى غيرها من العبادات كالوضوء فإنّه مقصودٌ من جهة، وهو وسيلةٌ لاستباحة الصلاة من جهة أخرى فعليه لا يحوز استحداث او ابتداع ما لم يأذن به الله .... ولأجل ذلك فإنّك ترى أن الإمام الشّاطبيّ (رحمه الله تعالى) يقول في كتابه (في كتابه العظيم، الاعتصام - وهو متأخرٌ عن كتابه الموافقات لتردد العزو إلى الموافقات في الاعتصام-): "فإذا ثبت أن المصالح المرسلة ترجع إلى حفظ ضروري من باب الوسائل أو إلى التخفيف فلا يمكن إحداث البدع من جهتها ولا الزيادة في المندوبات لأن البدع من باب الوسائل لأنها متعبد بها بالفرض ولأنها زيادة في التكليف وهو مضادة للتخفيف" إنّ الإمام الشّاطبيّ رحمه الله تعالى يقول مقولته هذه في معرض الاستدلال لوجوب التفرقة بين المصالح المرسلة وبين البدع المُنكرة في الدّين إذ مبنى العادات - على حدّ اصطلاحه واصطلاح الإمام الغزاليّ وغيرهم رحمهم الله تعالى- على العقل والتّعليل ومبنى العبادات على الانقياد والتسليم ولأجل ذلك فإنّ ابتداع الوسائل في العادات لتحقيق مقاصدها - ما لم تكن منهيٌ عنها لذاتها أو لغيرها، أي أنّها منضويةٌ تحتَ المصلحة المرسلة الّتي لم يرد الدّليلُ الخاصّ بإلغائها أو اعتبارها، وإن كان قد ورد الدليل الكُليّ العام بعتبارها-، ولتأكيد هذا المعنى فإنني اعودٌ بِكَ إلى ما ذكره قبل ذلك حيثُ يقول - رحمه الله تعالى-: "لا يقدم على استنباط عبادة لا أصل لها لأنها مخصوصة بحكم الإذن المصرح به بخلاف العادات والفرق بينهما ما تقدم من اهتداء العقول للعاديات في الجملة وعدم اهتدائها لوجوه التقربات إلى الله تعالى"

وأنا أقف هنا من غير أن أطيل النّفس في المسألة لكثرة الشواغل

والله المستعان

والحمد لله رب العالمين

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير