[هل شرع من قبلنا حجة أو لا؟]
ـ[ناصر الدين الجزائري]ــــــــ[08 - 04 - 09, 10:06 م]ـ
بسم الله الرحمان الرحيم
أما بعد:
إن دين جميع الأنبياء و المرسلين واحد و هو العبودية لله عز و جل و حده لا شريك له و قد بوب الإمام البخاري في صحيحه بابا فقال:باب ما جاء في أن دين الأنبياء و احد
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: فصل في توحد الملة و تعدد الشرائع و تنوعها
أما الشرائع فإنها تختلف، فكل نبي إنما تعبده الله بشريعة خاصة به
و هنا يأتي السؤال: هل شرع من قبلنا شرع لنا أو لا؟
الجواب: شر ع من قبلنا على أنواع و لكل نوع حكم خاص به من جهة الحجية و عدمها
النوع الأول:ما ثبت أنه شرع لمن كان قبلنا و جاء في الكتاب و السنة أنه شرع لنا فهذا شرع لنا بالإجماع و ذلك كقوله تعالى {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} فالصيام شرع لمن كان قبلنا و هو شرع لنا كذلك و كالقصاص في قوله تعالى {و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ... } و بين سبحانه أنه شرع لنا بقوله {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر و العبد بالعبد و الأنثى و بالأنثى}
النوع الثاني:ما ثبت أنه شرع لمن كان قبلنا و جاء في الكتاب و السنة ما يدل على نسخه فهذا ليس شرعا لنا بالإجماع كقوله تعالى في تحية أهل يوسف عليه السلام {و خروا له سجدا} فهذا منسوخ في بدليل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {ما ينبغي لأحد أن يسجد لأحد، و لو كان أحد ينبغي أن يسجد لأحد
لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لما عظم الله عليها من حقه} و كذلك ما كان من التشديد على من كان قبلنا، فقد وضعه الله على هذه الأمة تخفيفا و رحمة، فقد إستجاب الله قول المؤمنين {ربنا و لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} ووصف الله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بقوله {و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم}
النوع الثالث: أحكام لم يرد لها ذكر في الكتاب و لا في السنة كالأحكام المأخوذة من الإسرائيليات فهذا ليس شرعا لنا بالإجماع كما في حديث أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - {كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية و يفسرونها بالعربية لأهل الإسلام} فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {لا تصدقوا أهل الكتاب و لا تكذبوهم و قولوا {آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل إليكم}} و قال إبن عبايس 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - {كيف تسألون أهل الكتاب عن شيئ و كتابكم الذي أنزل على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أحدث، تقرأونه لم يشب، و قد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله و غيروه و كتبوا بأيديهم الكتاب و قالوا هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا، ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا و الله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم}
النوع الرابع: أحكام جاءت في نصوص الكتاب و السنة و لم يأت دليل على إعتبار هذا الحكم شرعا لنا أو ليس شرعا لنا
فهذا هو محل النزاع و موضع الخلاف بين العلماء، هل يعد من أدلة التشريع أو لا؟
و إختلفوا في ذلك على قولين مشهورين
القول الأول: أنه شرع لنا من حيث إنه وارد في كتابنا و سنة نينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لا من حيث إنه كان شرعا لمن كان قبلنا و هو مذهب الحنفية و المالكية و بعض الشافعية و الأصح عن الإمام أحمد
القول الثاني:أنه ليس شرعا لنا إلا بنص يدل على أنه مشروع لنا و هو قول أكثر الشافعية و رواية عن الإمام أحمد و إليه ذهب الأشاعرة و المعتزلة
و الراجح في المسألة و الله أعلم هو القول الأول للأدلة التالية:
الدليل الأول:قوله تعالى {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} و هذا أمر للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، وهو أمر لأمته ما لم يدل دليل على الخصوصية و الهدى يعم الأمور العلمية و الأمور العملية لما ثبت عن مجاهد أنه سأل إبن عباس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من أين أخذت سجدة ص فقال: أوما تقرأ {ومن ذريته داود و سليمان ... } إلى قوله {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ... } فكان داود ممن أمر نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أن يقتدي به، فسجدها داود عليه السلام فسجدها رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الدليل الثاني:أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قضى في قصة الربيع بالقصاص في السن و قال {كتاب الله القصاص} و ليس في كتاب الله نعالى السن بالسن إلا ما حكى عن التوراة في قوله تعالى {و كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس و العين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السن بالسن و الجروح قصاص}
الدليل الثالث: أن النبي صلى الله عليه و سلم إحتج بشرع من قبلنا فقد روى البخاري و مسلم و اللفظ له عن أنس إبن مالك 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {إذا رقد أحدكم عن الصلاة، أو غفل عنها، فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول {و أقم الصلاة لذكري}} فهذا قول الله شريعة لموسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الدليل الرابع: أن القرآن إذا قص علينا حكما شرعيا سابقا بدون نص على نسخه أفاد ضمنا أنه تشريع لنا
ومن العماء من ذهب إلى أن الخلاف في المسألة لفظي فقط، لأن القائلين بشرع من قبلنا لا يعتبرونه دليلا مستقلا و إنما هو راجع إلى الكتاب و السنة إذا ذكر فيهما من غير إنكار، و من لا يرى حجيته يعمل به لوروده في الكتاب و السنة لا أنه تشريع لنا
والله أعلم و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم
¥