تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[أبعاد الخطاب القرآني]

ـ[عمر الريسوني]ــــــــ[20 - 04 - 09, 10:00 م]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين.

كتاب الله العزيز شامخ في معماره البياني وحسه المجازي وبعده التشبيهي ورصده الاستعاري وتهذيبه الكنائي وهو يعلو ولا يعلى عليه وهو ليس كسائر كلام البشر ولا أمراء البيان، وهو يشمل فصاحة خارقة في اللفظ وفصاحته المتجلية في تركيبة لفظه التي تسيل رقة وعذوبة وهي جذابة وموزونة وهي الحق الصادع والنور الساطع فان أوجزت كانت كافية وان أكثرت كانت مذكرة وان أمرت كانت ناصحة وان حكمت كانت عادلة وان أخبرت كانت صادقة وهي سراج تستضيئ بها القلوب وبحر العلوم الواسعة والعميقة وديوان الحكم وجوهر الكلم وهي المبلغة التي لا تمل والمتجددة التي لا تبلى.

وكتاب الله العزيز حار فيه أرباب العلم والبيان فما كان قليله يغنيك عن كثيره، واعجازه مضمر ومكنون في ثنايا وبواطن اللفظ، فالله تعالى وهو العليم الخبير أحكم آياته وجعل كلماته نورا وألبسها من علمه وحكمته ثياب الجلالة وغشاها بنور الحكمة لتكون عظة ونبراسا للمتقين وتبيانا لكل العوالم الخفية والدقيقة واشارات باهرة في كل أصناف العلوم ومحركا للبواعث والهمم لترقى بالانسان نحو أسمى الغايات، وأسلوب القرآن يتفوق عن كل تجريد مجازي ويختلف اختلافا بينا عن كل أصناف الكلام وهذا ما أود طرحه في مداخلتي هذه طالبا من الله العلي القدير العون والسداد وبالله التوفيق.

فكتاب الله عز وجل يسمو عن التحليلات المجازية المطروحة في عصرنا الحاضر، وعن كل التحليلات اللغوية أو البيانية و أنماطها المعروفة، والمتعمق في الأسلوب القرآني ينكشف له أن من خصائصه التجريد المطلق والتنزيه الكامل، والتشبيه القرآني متجانس كل التجانس

بأسلوب معجز بما يحقق العمق الفني بكل أبعاده كالتشبيه الحسي لتقريب المعنى للمتلقي، وهذه التشبيهات هي من الكون والطبيعة وآيه في خلقه، والأسلوب القرآني يسمو على غيره من كلام البشر لأنه سبحانه وتعالى أحاط بكل شيء علما، فلا الاه الا هو له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

ولقد وضعت مقارنة بين أمثال العرب القديمة وأمثال القرآن فوجدت الفرق شاسع وواسع ولا مجال للمقارنة حتى في مجازيات الأشعار، وهذه الأمثال وضعها سبحانه للمتلقي في محيطه وبيئته بلغته وكلامه المعهود، أما أسرارها فمودعة في ثنايا الألفاظ ولا تظهر وتتجلى الا بعد البحث والاستقصاء في زمان ومكان مختلفين، واذا كان التشبيه الاستعاري مماثلا في بيئة ومحيط المتلقي مجسما في أقرب الأشياء اليه والتي يراها ويحس بها فالمراد به هو تهذيب النوازع وبناء كيان متكامل لأنه يخاطب أعماق النفس البشرية فنجد شدة في رقة ودعوة ظاهرة في كمون متفاوت والتشبيه القرآني متجانس ويحقق أبعادا في العمق التصويري ويقرب الحسي لتقريب المعنى للمتلقي وخطاب القرآن متضمن لبعض الألفاظ الدقيقة حيث اللفظ يدل على نفس الصوت، ولقد كان جريا على سنن العرب في تسمية اللفظ باسم صوته، لذا نجد كتاب الله عز وجل يجاري بيأتهم وحسهم لما عهدوه في حياتهم وذلك برفق وبيان متناهيين أما أبعاده فموغلة.

وكتاب الله عز وجل فيه دعوة للتأمل والتدبر ويحرك البواعث والهمم وهناك اشارات واضحة دالة على هذه الحركية الدائبة والمسترسلة لترقى بالانسان ومحيطه المتجدد والمتفاعل لما هو أسمى، فالبدوي البسيط الذي عاش في الصحراء وهو يقرأ قوله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) الآية .. قد يستشف من هذه الآيات حقائق على قدر فهمه وعلمه وفي مكان وزمن مختلفين تجد عالم الذرة قرب حاسوبه يستكشف آيات عظيمة من هذه الآيات الاعجازية، اذن فالآية ليست كلاما عاديا بل هو مختلف باختلاف العلم الموهوب وقد تدرك حقائق في زمان ومكان مختلف فتزيد الانسان دهشة وذهول وهنا تكمن المعجزة الحقيقية لكتاب الله عز وجل فهو منزل بعلم ويحمل أبعادا عميقة ومهيمنة.

والذي يقرأ قوله تعالى في محكم كتابه (ان الله لايستحي أن يضرب مثلا بعوضة فما فوقها) الآية .. قد يحير في الأمر لتحصيل قوله تعالى (فما فوقها) الآية، والله عز وجل يقول في محكم كتابه (وقل ربي زدني علما) الآية .. وما فوقها كان أعظم وهذا خطاب المهيمن الذي أحاط بكل شيء علما ولا زال علمنا وضيعا لفهم ذلك فقد يحير علماء هذا العصر في التكوين الفسيولوجي لهذه الحشرة وجهازها العصبي الغاية في التعقيد ولكن الخطاب لا ينحصر هنا بل يمتد الى ما فوقها، و قد تكون حشرة مجهرية تعيش فوق ظهر البعوضة أو غير ذلك مما لم تترائى معالمه.

وقد يكون معنى اللفظ في الآية مضمرا كقوله تعالى (وجاء ربك) الآية .. فكلمة جاء أمرها معلوم بكيفية لا نعلمها والايمان بها واجب والله تعالى لا يحيط به مكان ولا زمان ومستحيل عليه التنقل من مكان الى مكان وهو خالق المكان والزمان بعلمه وقدرته لذلك فكلمة جاء لها معنى مضمر ويتعلق بأحوال الآخرة.

لذا فكتاب الله له من خصائص التجريد المطلق والتنزيه الكامل ما لا يمكن الاحاطة به لأن الله تعالى أقام الحجة حيث أحكم آياته وهو العليم الحكيم.

وكلامه سبحانه منزه عن كل نقص أو عيب ولا يأتيه الباطل، وبيان الله تعالى ليس بعده بيان، وهو الذي له أثر في القلب ووقع شديد في السمع وله قوة نفاذ عجيبة في النفس، وفيه من الاستعارات الخفية والتشبيهات التي فيها دقة في التصوير لتفعيل الحدس وشحذ المخيلة لترتقي بايمانها وكشوفاتها وفق سنن ماضية في الخلق، ونحن لم نحط بعد بكل أسرار الكلمة (ولما ياتكم تاويله) الآية

لذا فالايمان بالغيب هو النبراس الأول للمتقين والله هو العليم الخبير الذي أحكم آياته وجعل كلماته نورا وألبسها من علمه وحكمته ثياب الجلالة وغشاها بنور الحكمة لتكون هدى للمتقين وتكون تبيانا لكل العوالم المحيطة بالانسان واشارات محفزة لاستبيان العلوم ودعوة الى سعة الأفق وعدم الجمود فسبحان من قال له الملائكة الكرام عليهم السلام (سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا) الآية .. وسبحان من أعجز الثقلين ببيانه البديع وحجته الدامغةعلى أن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير