[المصالح المرسلة، تعريفها، أقسامها، ضوابطها، حكمها.]
ـ[أبو جابر الجزائري]ــــــــ[20 - 03 - 09, 07:34 م]ـ
المصالح المرسلة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آل بيته الأطهاروصحابته الأبرار
أما بعد:
قبل التعرض لتعريف المصلحة المرسلة يستحسن التطرق إلى المقدمات الضرورية التالية لفهم حقيقته:
المقدمة الأول: التلازم بين المصلحة والشريعة:
إن التلازم بين الشريعة والمصلحة مبني على أربعة أمور متصلة بعضها ببعض:
الأمر الأول: أن هذه الشريعة مبنية على تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم في الدنيا والآخرة.
الأمر الثاني: أن هذه الشريعة لم تهمل مصلحة قط، فما من خير إلا وقد حثنا عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وما من شر إلا ونهانا عنه.
الأمر الثالث: إذا علم ذلك فلا يمكن أن يقع تعارض بين الشرع والمصلحة.
الأمر الرابع: إذا علم ذلك فمن ادعّى وجود مصلحة لم يرد بها الشرع، فأحد الأمرين لازم له:
ـ إما أن الشرع دل على هذه المصلحة من حيث لا يعلم هذا المدعي.
ـ وإما أن ما اعتقده مصلحة ليست بمصلحة من حيث لا يعلم هذا المدعي، فإن بعض ما يراه الناس من الأعمال مقربا إلى الله ولم يشرعه الله فإنه لا بد أي يكون ضرره أعظم من نفعه، وإلا فلو كان نفعه أعظم لم يهمله الشرع.
المقدمة الثانية: أقسام المصلحة:
أ ـ المصلحة الملغاة شرعا: فهي المصلحة التي يراها العبد بنظره القاصر ـ مصلحة ولكن الشرع ألغاها وجاءت بالأدلة بمنعها كما لو ظاهر الملك من امرأته، فالمصلحة في تكفيره بالصوم لأنه هو الذي يردعه لخفة العتق ونحوه عليه، لكن الشرع ألغى هذه المصلحة، وأوجب العتق من غير نظر إلى وصف المكفر.
ب ـ المصلحة المعتبرة شرعا: وهي التي جاءت الأدلة الشرعية بطلبها مثلا حفظ المال شرع لها حد السرقة.
ج ـ المصلحة المسكوت عنها: وهو التي لم يرد في اعتبارها أو إبطالها دليل خاص من الكتاب أو السنّة او الإجماع أو القياس، لكنها لم تخل من دليل عام كلي يدل عليها، بل تستند إلى مقاصد الشريعة وهي التي تسمى بالمصالح المرسلة مثل المصلحة التي اقتضت أن عقد البيع الذي لا يسجل لا ينقل الملكية.
وسميت مرسلة لإرسالها أي إطلاقها عن دليل خاص يقيد ذلك الوصف بالاعتبار أو بالإهدار.
تعريف المصلحة المرسلة:
المصلحة التي لم يشرع الشارع حكما لتحقيقها، ولم يدل دليل شرعي على اعتبارها أو إلغائها، وسميت مطلقة لأنها لم تقيد بدليل اعتبار أو دليل إلغاء.
وتوضيح هذا التعريف إن تشريع الأحكام ما قصد به إلا تحقيق مصالح الناس، أي جلب نفع لهم أو دفع ضرر أو رفع حرج عنهم، وإن مصالح الناس لا تنحصر جزئياتها، ولا تتناهى أفرادها وإنها تتجدد بتجدد أحوال الناس وتتطور باختلاف البيئات، وتشريع الحكم قد يجلب نفعا في زمن وضررا في آخر، وفي الزمن الواحد قد يجلب الحكم نفعا وفي بيئة ويجلب ضررا في بيئة آخرى (علم أصول الفقه عبد الوهاب خلاّف ـ صفحة 84 وما بعد).
أقسام المصالح المرسلة:
أولا: تنقسم باعتبار الأصل الذي تعود عليه بالحفظ إلى خمسة أقسام:
ـ 1 ـ مصلحة تعود إلى حفظ الدين.
ـ 2 ـ مصلحة تعود إلى حفظ النفس.
ـ 3 ـ مصلحة تعود إلى حفظ العقل.
ـ 4 ـ مصلحة تعود إلى حفظ العرض.
ـ 5 ـ مصلحة تعود إلى حفظ المال.
وهي ما تسمى بالضروريات الخمسة أو بقاصد الشريعة.
ثانيا: باعتبار قوتها:
ـ القسم الأول: المصلحة الضرورة: وهي ما كانت المصلحة فيها في محل الضرورة بحيث يترتب على تفويت هذه المصلحة تفويت شيء من الضروريات أو كلها.
ـ القسم الثاني: المصلحة الحاجية: وهي ما كانت الصلحة فيها في محل الحاجة لا الضرورة،فيحصل بتحقيق هذه المصلحة التسهيل وتحصيل المنافع ولا يترتب على فواتها شيء من الضروريات.
ـ القسم الثالث: المصلحة التحسينية: وتسمى التتميمات وهي ما ليس ضروريا ولا حاجيا ولكنها من باب الجري على مكارم الأخلاق واتباع أحسن المناهج.
ظوابط الأخذ بالمصلحة المرسلة:
أ) ـ أن لا تكون المصلحة مصادمة لنص أو إجماع.
ب) ـ أن تعود على مقاصد الشريعة بالحفظ والصيانة.
ج) ـ ألا تكون المصلحة في الإحكام الثابتة.
د) ـ ألا تعارضها مصلحة أرجح منها أو مساوية لها، وإلا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها.
¥