فائدةُ علم أصول الفقه .. !
ـ[علي الابنوي]ــــــــ[20 - 11 - 08, 02:20 م]ـ
فائدةُ علم أصول الفقه .. !
سألني أحدُ طلابي في الدراسات العليا أن أكتبَ حول (فائدةِ علمِ أصولِ الفقه) فسألتُه ولمَ؟ فقال: إن بعضاً ممن ينتسبُ للعلم الشرعي يثُيرُ بين الحين والآخر دعوى:إنّ علم أصول الفقه علمٌ لافائدة منه وأنّ علم الفقه يُغني عنه؛ وإن اشتغال طالب العلم بالفقه هو الأولى!
قلتُ عجباً:كيف يغني الفرعُ عن الأصل؟ وما أُتي هذا القائلُ إلى من جهلهِ؛ومن لم يعرف قيمةَ شيءٍ فكيف يُقدِّرهُ حق قدره!
من أجلِ ذلك قال علماءُ الأصولِ قديماً:يجبُ على كلِّ طالبِ علمٍ أن يعلمَ ما الغرضُ منه؟ وماهو؟ ومن أين؟ وفيم؟ وكيف يستطيعُ تحصيله؟
فالأول: فائدتُه، والثاني: حقيقتُه ومبادئُه، والثالث: مادتهُ التي يُستمدُ منها، والرابعُ:موضوعهُ ومباحثه،والخامسُ: وسائلُ تعلمه.
فإنك أخي طالب العلم إذا حصّلتَ وتنبهت لهذه المقدمات العلمية؛عندها ـ وفقك الله ـ نسمعُ منك ونعي عنك؛ هل لهذا العلمِ أو ذاك فائدةُ وأثر أم لا؟
إما إطلاق الدعوى بدون دليل فهو الحديث الذي لا فائدةَ فيه! والبيّنةُ على من إدعى.
أما دعوى أن " علمَ أصول الفقه " له عظيمُ الفائدةِ والأثر؛فهي أظهر من أن تتوقف على مقالٍ مختصر أو دفاعٍ عابر!
ولكن نزولاً عند رغبةِ من سأل وتذكيراً لمن لا يعرف عن هذا العلم إلا اسمهُ ولم يقف إلا على رسمه؛ أقول ـ وبالله استعين ـ:
إن علمَ أصولِ الفقه من إبداعات العقليةِ المسلمةِ المنوّرة بنورِ الوحي؛ التي وفقها الله للقيام بواجب بيانِ الشريعة واستخراج أصولهِِا ونَظْمِ وقواعدِها.
ولولا الحاجة الماسة للتأليف في هذا الباب من أبواب العلم ما اجتهدَ علماء السلف الكبار في التأليف فيه؛ حتى جاء مُقدَّّمُهم وكبيرٌ من كبرائهم وهو الإمامُ القرشي المطلبي محمّدُ بنُ إدريس الشافعي رحمه الله المتوفى سنة 204هـ فألّفَ كتابه العظيم " الرسالة " وسببُ تأليفه ـ في ظني ـ: أنّ الإمامَ الشافعيَّ وبحسبِ تكوينه العلمي المتميز من جهة: تمكنه من اللغة العربية حتى صار حجةً فيها،وعلمه بالحديث وإمامته في الفقه؛ ومن جهةِ: تتلمذه على أصحاب المدرستين (الحديث والرأي) وسبرهِ لأغوار هذين المنهجين؛وقفَ ـ وبتوفيق الله له ـ على أسباب الخلاف بين الفريقين؛واقتنعَ بحاجةِ الأمةِ والعلماء لرسم وتقعيد منهجٍ علمي يبين قواعد الاستنباط وآلية فَهم النصوص ويضبط طُرقَ الاجتهاد؛ ويُساهم قدر الإمكان في تقليل هُوةَ الخلاف بين الفقهاء من أصحابِ المدارس المختلفة، فندبَ نفسهَ لآداء واجب البيان.
لذلك نجدُ أن إماماً كبيراً من أئمةِ الحديثِ وهو الإمامُ الحافظُ عبدُالرحمن بن مهدي رحمه الله وهو منْ هو مكانةً في علم الحديث؛يرسلُ للإمام الشافعي كتاباً يطلبُ فيه منه رحمهما الله (أن يضعَ له كتاباً فيه معاني القرآن، ويجمع قبولَ الأخبار فيه، وحجةَ الإجماع، وبيانَ الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة، فوضعَ له كتاب الرسالة) مناقب الشافعي (1/ 330)
وهذه الموضوعات التي ذكرها الإمام عبدالرحمن بن مهدي في رسالتهِ هذه؛هي موضوعات أصول الفقه المهمة والتي رأى ـ هو أيضاً ـ حاجةَ العلماء والناسِ عموماً إلى بيانها وتأصيلها.
وتأمّل جيداً في كلام إمامٍ عظيم مثل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حين يقول عن أثرِ ما سطره الإمام الشافعي؛ حيث قال: {ما زلنا نلعنُ أهلَ الرأي ويعلنوننا حتى جاء الشافعيُّ فمزجَ بيننا، يريد أنه تمسكَ بصحيحِ الآثار واستعملها، ثم أراهم أن من الرأي ما يُحتاج إليه وتنبني أحكام الشرع عليه، وأنه قياس على أصولها ومنتزع منها، وأراهم كيفيةَ انتزاعها، والتعلقِ بعللها وتنبيهاتها.
فعلِمَ أصحابُ الحديثِ أن صحيحَ الرأي فرعُ الأصل، وعلم أصحابُ الرأي أنه لا فرع إلا بعد الأصل، وأنه لا غنى عن تقديم السنن وصحيح الآثار أولاً."
(ترتيب المدارك وتقريب المسالك للقاضي عياض - ج 1 / ص 22)
فهل بعد ذلك كلِّه يكونُ من السائغِ أن يتصور طالبُ علمٍ أن يشتغلَ مثل الإمام الشافعي فيما لا فائدة فيه وينشرهُ في أوساط المسلمين!!
وقد توافرُ علماءُ المسلمين على التأليف في هذا العلم وكان منهم فقهاءُ ومُحدِّثون وغيرهم.
¥