تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[شعراؤنا القدامى وتفضيل بعض الموضوعات الشعرية]

ـ[عبد الرازق حويزي]ــــــــ[20 - 06 - 09, 05:59 م]ـ

شعراؤنا القدامى والإجادة في بعض الموضوعات الشعرية

في تراثنا الأدبي بعض الظواهر الشعرية التي لا تزال تستأهل الدراسة أكثر مما أخذت، منها – على سبيل المثال والاستدلال لا على سبيل الحصر - ظاهرة تغليب الشاعر لموضوع شعري معين على بعض الموضوعات الأخرى، ومن ثم وجدنا في التراث الشعري كوكبة من الشعراء آثرت الإكثار من النظم في موضوعات دون غيرها، وأجادت فيه أيما إجادة، وأرفدت التراث الشعري بنماذج شعرية بلغت الغاية في الجودة والإتقان في هذه الموضوعات، ويلمس المتتبع لمسيرة الشعر العربي وأخبار الشعراء،ومطارحات النقاد حول طائفة منهم، أن هناك شعراء - بداية من العصر الجاهلي - كانوا يجيدون النظم في موضوع أكثر من النظم في موضوع آخر، وكان هؤلاء الشعراء يدركون ذلك، ومن ثم اندفعوا إلى الإكثار من النظم في هذا الموضوع. وأسباب الإجادة والإكثار مختلفة من شاعر إلى آخر، وهي تحتاج للكشف عنها إلى دراسات متعددة من الباحثين لمحاولة تفسير هذه الظاهرة والوقوف على أبعادها.

فإذا نظرنا مثلًا إلى الشعراء في العصر الجاهلي وجدنا في كتاب الشعر والشعراء 1/ 460 (ط. دار المعارف) إفصاحًا عن كون " طفيل الغنوي" من أوصف الناس للخيل "، ووقفنا فيه أيضًا علي مقولة " عبد الملك بن مروان ونصها:" من أراد أن يتعلم ركوب الخيل فليرو شعر طفيل "، وفي الأغاني 15/ 350 (مصورة ط دار الكتب): " وكان طفيل الغنوي يسمى طفيل الخيل لكثرة وصفه إياها "، وفي الأغاني أيضًا 16/ 375 إشارة إلى براعة " النابغة الذبياني " في فن الاعتذار، وذلك في النص التالي:" ولا اعتذر أحد في شعره إلا احتاج إلى النابغة الذبياني ".

وفي كتاب " العمدة لابن رشيق القيرواني 1/ 285 - 286 (ط. دار الجيل) أن " ذا الرمة" كان حاذقًا لوصف الصحراء وأن شعر " صالح بن عبد القدوس كله في الحكمة "، وأن " ابن الرومي كان مجيدًا ومكثرًا في الهجاء "، قال " ابن رشيق ":" فلا يجب للشعر أن يكون مثلاً كله وحكمة كشعر صالح بن عبد القدوس؛ فقد قعد به عن أصحابه وهو يقدمهم في الصناعة لإكثاره من ذلك .... ولا ينبغي للشعر أن يكون أيضًا خاليًا مغسولاً من هذه الحلي فارغًا ككثير من شعر أشجع وأشباهه من هؤلاء المطبوعين جملة، مع أنه لا بد لكل شاعر من طريقة تغلب عليه فينقاد إليها طبعه، ويسهل عليه تناولها ... كأبي تمام في التصنيع، والبحتري في الطيف، وابن المعتز في التشبيه، وديك الجن في المراثي، والصنوبري في ذكر النَّوْر والطير، وأبي الطيب في الأمثال وذم الزمان وأهله. وأما ابن الرومي فأولى الناس باسم شاعر؛ لكثرة اختراعه، وحسن افتتانه، وقد غلب عليه الهجاء حتى شهر به؛ فصار يقال: أهجى من ابن الرومي، ومن أكثر من شيء عُرِف به".

وهناك عدد من الشعراء كانوا يجيدون الهجاء ويكثرون منه غير " ابن الرومي"، وقد ذكر ذلك العلماء، من هؤلاء الشعراء " الحطيئة" على ما أفصح د."نعمان أمين طه " في مقدمة تحقيق ديوانه 58.

وقال أيضًا د. "نعمان " عن إكثار " جرير" في الهجاء في مقدمة ديوانه 1/ 6:" هاجى خصميه (الفرزدق والأخطل) ومن تشيع لهما من الشعراء حتى غدا حديث العامة والخاصة والقواد والأمراء والعلماء والمتأدبين، كلهم يعجب له لوقوفه أمام شعراء كثر يربون على الأربعين يحاولون أن ينهشوه، ويحاول أن يصرعهم في مجال الهجاء بسخرياته اللاذعة التي فتح بها طريقًا جديدًا في الهجاء العربي ". وهناك من شعراء بني أمية من أوقف شعره على موضوعات أخرى يعرفها كثير من الناس.

وبرزت هذه الظاهرة في العصر العباسي، حيث لوحظ أن عددًا غير قليل من شعراء هذا العصر قد نظموا بعض الدواوين التامة في موضوع واحد أو في اتجاه واحد، ولا حاجة لذكر أسماء هؤلاء الشعراء، فهذا أمر أدركه كثير من الناس ونصوا عليه فديوان " الصنوبري " – مثلاً - يكاد يكون كله في وصف الأزهار والورود والبساتين والربيع، وجمع الأستاذ " محمد راغب الطباخ " شعره في مؤلف، وسمه بـ " الروضيات " وظفر د. " إحسان عباس " بمخطوطة لديوانه فيها جزء من شعره فحققها ونشرها واستدرك على هذا الديوان بعض الفضلاء، وقال د." إحسان عباس " في مقدمة تحقيقه لما عثر عليه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير