[تعقيبات على نقد السيد صقر لتحقيق أحمد شاكر لكتاب (الشعر والشعراء)]
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[26 - 06 - 09, 01:46 ص]ـ
كنتُ قرأتُ المقالينِ اللذين صَدَّر بهما الشيخُ أحمدُ شاكر كتاب «الشعر والشعراءِ» لابن قتيبةَ. وهما مقالانِ كتبَهما السيد صقر ينتقدُ بهما تحقيقَه. فرأيتُه أنكرَ بعضَ الرِّواياتِ الصحيحةِ، ولجَّ في نفيِها، إما لمكانِ الإلْفِ، والعادةِ من نفسِه، وإما لأنَّه وجدَها في بعضِ الكتبِ على غيرِ ما هي عليهِ في كتابِ ابنِ قتيبةَ، وخفِيَت عليهِ مواضعُها في الكتبِ الأخرَى. فكرِهتُ أن يتجرَّم دهرٌ، فيعتقِدَ الناس كلَّ ما ذكرَه حقًّا. وقد تضيعُ النُّسَخ المخطوطةُ التي حفِظت لنا هذه الرِّواياتِ، أو يعسُر على جمهورِ الناسِ الرجوعُ إليها. فذكرتُ منها بعضَ ما صادفتُ غيرَ مستقصٍ، ولا مستوعبٍ:
1 - قالَ السيد صقر (1/ 10):
(قال امرؤ القيس يصِف فرسًا:
كميت يزِل اللِّبدُ عن حال متنِه ... كما زلَّتِ الصفواءُ بالمتنزَّلِ
والصواب: (بالمتنزِّل) كما جاء في شرح المعلقات للتبريزي ص 41، والديوان 133) ا. هـ.
قلتُ:
هذه الرِّواية التي خطَّأها روايةٌ ثابتةٌ صحيحةٌ رواها ابنُ قتيبةَ (ت 276 هـ) نفسُه في «كتاب المعاني الكبير 1/ 146»، ورواها أيضًا شيخُه أبو حاتمٍ السجستانيُّ (ت 255 هـ) في «المذكر والمؤنث 161»، وأبو منصور الأزهريُّ (ت 370 هـ) في «تهذيب اللغة 12/ 249». ويبعُد أن تكونَ مصحَّفةً في جميعِ هذه الكتبِ.
فهذا ما بلغَنا من الرِّوايةِ في ضبط هذه الكلمة. وهي صحيحةٌ في اللغةِ؛ فقد وردَ في المعاجمِ أن (تنزَّلَه) مثلُ (نزَّله)؛ فـ (المتنزَّل) إذن بمعنى (المنزَّل)؛ وهو المطرُ.
2 - قال السيد صقر (1/ 10):
(وقال الآخر:
أرأيت إن بكرت بليلٍ هامتي ... وخرجت منها باليًا أثوابي
...
وهو خطأ، والصواب:
... ... وخرجت منها عاريًا أثوابي
... لأن الإنسان لا يخرج من الدنيا باليَ الأثواب؛ بل يخرج منها عاريًا) ا. هـ.
قلتُ:
هذا ليس خطأ كما ذكرَ؛ فقد رواها كذلك أبو عليّ القالي (ت 356 هـ) في «أماليه 2/ 279». ويمكنُ أن يُّخرَّج على وجهينِ ذكرَهما أبو عبيد البكريُّ (ت 487 هـ) في «اللآلي 2/ 922»:
أحدُهما: أن الأكفانَ لا تكون إلا مما بلِيَ عادةً.
الآخر: أن يكون هذا مجازًا مرسَلاً عَلاقتُه المستقبليَّةُ؛ أرادَ أنَّ مصيرَها للبِلى، كما قالَ تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif إني أراني أعصر خمرًا http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif ، وكما يقال: قتلتُ القتيلَ. و يشهدُ لهذه الروايةِ قولُ النابغة الجعدي:
أرأيت إن صرخت بليلٍ هامتي ... وخرجت منها باليًا أوصالي
وهو شاهدٌ للسماعِ، لأنه اهتدمَ هذا البيتَ؛ لم يغيِّر فيه إلا الكلمة الأخيرة، وشاهدٌ للقياسِ، لأن المرء لا تبلَى أوصالُه حالَ خروجه من الدنيا؛ وإنما تبلَى بعد ذلك.
3 - قالَ السيد صقر (1/ 13):
(كقول العباس بن مرداس السلمي:
وما كان بدرٌ ولا حابسٌ ... يفوقان مرداسَ في مجمعِ
وكذلك وردَ مرةً أخرَى ... ، وهو خطأ. والصواب: (وما كان حصنٌ ولا حابسٌ) [ثم أخذ يعدِّد المصادر التي فيها هذه الرواية]) ا. هـ.
قلت:
ما خطَّأه ليس خطأً؛ فقد رواهُ كذلكَ ابنُ سعدٍ (230 هـ) في «طبقاتِه 4/ 272»، ومسلمٌ (ت 261 هـ) في «صحيحه، رقم 1060». وهو في «العقد الفريد 5/ 357» لابن عبد ربه (ت 328 هـ) عن أبي حاتمٍ السجستانيِّ.
وله وجهٌ من النظرِ؛ فإن عيينةَ هو ابن حصن بن حذيفة بن بدرٍ؛ فـ (بدرٌ) جدُّه؛ وإن كنت أرى أن الأرجحَ روايةُ (حصن) حتى يقابِلَ (حابسًا)، و (مرداسًا)، لأنهما أبوان، وليسا جدَّينِ؛ ولكن لا يجوز أن تُقدَّم رِوايةُ نسخةٍ على أخرَى إذا كانت الأولَى أوثقَ عند المحقِّق، وكانتِ الرِّوايةُ التي فيها محتملةً مقبولةً. وللمحقِّق أن يعلِّق في الحاشية بما يشاءُ.
4 - قال السيد صقر (1/ 14):
(وقدَّمتِ الأديمَ لراهشَيهِ ... وألفى قولها كذبًا ومينًا
هكذا جاء في الطبعتين: (وقدَّمتِ الأديمَ). وهو خطأ. والصواب: (وقدَّدتِ)) ا. هـ.
قلتُ:
¥