تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[أدب التوقيعات .. انفرد به الأدب العربي (مقال)]

ـ[أم حنان]ــــــــ[17 - 05 - 09, 04:56 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

أدب التوقيعات .. انفرد به الأدب العربي

إعداد: د. ماجد أحمد المومني

من ألوان الكتابة التي استخدمت في العصر الأموي وزاد اهتمام الكتّاب بها في العصر العباسي هذا اللون المعروف بالتوقيعات.

وقد دعا إلى ذيوعه، تنوع شؤون الدولة، وكثرة حاجات الناس ومطالبهم وطبيعة المواقف التي تتطلب بثاً سريعاً لبعض الخلفاء والقادة من دقة التفكير والتمكن مع ما اجتمع من اللغة، وقد يكون للأدب الأجنبي وما نقل عنه أثر في ذلك، ولكن للعرب أصالتهم في فن الإيجاز الذي ظهر واضحاً فيما عرف عنهم من أمثال وحكم.

حيث كانت المسائل تعرض على الخلفاء والوزراء وذوي الأمر، فيلمون بما فيها في سرعة ووعي ويعلقون عليها تعليقات تجمع مع الإيجاز، سلامة العبارة ودقة الفكرة وقوتها بما يغني عن الإطناب والاسترسال بالشرح، وهذه التوقيعات تجمع بين الحكمة وآثار التجربة مع إعطاء الحلول للمسائل المعروضة بشكل يأخذ باللباب وكأنها الدواء الشافي للمشكلة المعروضة جاءت بها وصفة الطبيب المختص، والجراح الماهر الذي يضع مبضعه على ذات الداء ثم يصف لها فيجتث الخبيث ويزرع الفلاح ومن ثم يندمل الجرح ويلتئم، وتحل المسائل المعروضة بهذه التوقيعات.

أمثلة من التوقيعات

1 - شكوت فأشكيناك.

رفع صاحب خراسان إلى المنصور رسالة، بدا للخليفة منها أنه أساء في التصرف، فوقع عليها بقوله "شكوت فأشكيناك، وعتبت فأعتبناك، ثم خرجت على العامة، فتأهب لفراق السلامة".

فالخليفة أبو جعفر المنصور اشتهر عنه سعة الأدب، والعقل الراجح، وعمق البصيرة، وحسن السيرة، وكان يختار حكام الولايات من الدولة العباسية، ممن عرفوا بحصافة الفكر، وفصاحة اللسان، والأمانة في العمل والقدرة في التعامل مع الناس، فلما جاءه والي خراسان يشتكي الرعية هناك، سمع لشكواه، وبيان دعواه، فانتصر له بمعاقبة المخالفين.

وحين أظهر عتبه على الخليفة بأنه يريد المزيد من القوة والحزم، وتطاول في باعه على عامة الناس، لم يسمع له الخليفة وبين له سوء حاله، وعدم قدرته على مواصلة الحكم بمنتهى الإيجاز والتوقيع السابق، ثم بشره بخلعه عن الحكم.

2 - طهّر عسكرك من الفساد ..

وكتب إليه عامله بمصر، يشكو من نقصان النيل، فوقع المنصور على الكتاب وقال: "طهّر عسكرك من الفساد، يُعْطِك النيل القياد" .. ومعروف أن مصر تعتمد على النيل في ري أراضيها، وخصب مزروعاتها، حتى إن فيضان النيل يأتي بالخير العميم، وري الأراضي وجلب الطمي –الغني والصالح للمزروعات-

فكون أراضي الدلتا التي تعتبر إلى الآن من أخصب بقاع العالم قاطبة، ربط بين حال الناس وما بهم من نعيم، وبين ما هم عليه من أعمال، فبين الإسلام "ذلك بأن الله لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم" الأنفال 53.

فانحباس الأمطار، وغلاء الأسعار، وانتشار المجاعات جميعها امتحان من الله وإنذار لهؤلاء الناس بأن يحسنوا أعمالهم قبل أن ينالهم عقاب الله في الدنيا والآخرة .. فعندما شكا حاكم مصر نقصان مياه النيل، بادره المنصور على الفور، قد يكون أعمال العساكر السبب في ذلك، فطلب منه على الفور تطهير العساكر من الفساد وإصلاح أعمالهم لانفراج أحوالهم.

وربط المنصور بين سوء الحال، ونقصان مياه النيل، وبين فساد العساكر لذاك الحاكم، وهذا تلميح للحاكم بظلم عساكره وفساد حكمه.

3 - (ولكم في القصاص حياة.).

ورفعت إلى المهدي قصة رجل حبس في دم فوقع فيها بقوله: "ولكم في القصاص حياة" البقرة 179.

ومع أن هذا التوقيع اقتباس من القرآن الكريم إلا أنه اقتباس جاء من المهدي كأنه إقرار لحكم وضعي يتفق مع حكم إلهي.

فمن أباح دم الناس واستحل حرماتهم، أباح الله دمه، واستحق القصاص، لأن في القصاص حياة لمجتمعات الأمة التي تنعم بالأمن والاستقرار، بل إن هذا الحكم لا يدركه إلا أولو الألباب، وهم أصحاب العقول الكبيرة، الذين يتدبرون في هذا القصاص منع تسرب الجريمة وإفشائها، وبالتالي فإن هذا القصاص هو حياة الآمنين في المجتمعات السلمية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير