*? الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ? الكتاب هكذا معرف، وكأن هذا القرآن من العربية بمكان بحيث إذا قيل الكتاب انصرف الذهن إلى هذا القرآن الذي أنزله الله - تبارك وتعالى - على نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم فهو كتاب معلوم، وكتاب معهود، وكتاب معروف، بحيث إذا قيل الكتاب علم السامع أن المراد به القرآن المجيد.
*? وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا* قَيِّماً ?
وصف الله تعالى الكتاب بوصفين: لم يجعل له عوجا، والوصف الثاني: قيما قال بعض العلماء: هذا الوصف الثاني قيم مستفاد من الوصف الأول وهو نفي العوج، لما نفى عنه العوج أفاد أنه قيم، لكن الله - سبحانه وتعالى - صرح بالوصف الثاني، قيما ? وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ? لماذا جمع بين الوصف بالقيم ومع نفي العوج؟
قال العلماء: قد ترى الشيء فتظنه مستقيماً، فإذا دققت فيه النظر اطلعت فيه على عوج؛ فأراد
الله - سبحانه وتعالى - حين نفى العوج عن كتابه أن يقول: إنكم مهما دققتم النظر، وأعدتم النظر وكررتم النظر في هذا الكتاب، فستجدوه على هذه الاستقامة، ولن تجدوا فيه عوجاً أبداً؛ لأنه كلام الله رب العالمين، وليس كلام البشر المخلوقين؛ ولذلك الله - سبحانه وتعالى - لفت أنظارنا إلى إحكام خلقه في السماوات والأرض فقال ? الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ
كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ ? [الملك:3 - 4] فلعله فاتك في المرة الأولى ما تجده في المرة الثانية، النتيجة مع تكرار النظر إلى السماوات للحصول فيها على أي خلل ينقلب إليك البصر خاسئاً وهو حسير، وكذلك مهما قرأ أهل اللغة وأهل البلاغة القرآن الكريم لن يجدوا فيه عوجاً أبداً، لأن الله قال ? وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا * قَيِّمًا ?.
ولذلك قال الله - تبارك وتعالى - في سورة طه ? طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا ? فأراد الله - سبحانه وتعالى
أن يستدلوا على إحكام التنزيل بإحكام الخلق، قال: هذه السماوات أمامكم مرفوعة، وهذه
الأرض تحتكم موضوعة، انظروا هل تجدوا فيها من خلل؟ لن تجدوا في السماوات والأرض أي خلل، فهو خَلْقُ الله المحكم، وكذلك القرآن تنزيل الله المحكم؛ ولذلك قال تعالى ? كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لدن حكيم خبير َ".
*قال تعالى " لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ"
وقال تعالى " ? وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ?
الفرق بين الإنذار الأول، والإنذار الثاني، أن الإنذار الأول عام لينذر جميع الكافرين بأساً شديداً من عند الله - عزّ وجلّ -وأما الإنذار الثاني: ? وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ?فهذا خاص بالذين زعموا أن الله اتخذ ولدا.
*قال تعالى في بيان حكمة الخلق، الإيجاد ? إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلً?.
وقد تكرر ذكر هذه الحكمة من الخلق والإيجاد، في موضوعين آخرين غير هذا الموضع.
في سورة الملك قال الله - تبارك وتعالى - ? تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ? [الملك:1 - 2].
وفى سورة هود قال تعالى ? وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ? [هود:7].
وهنا في سورة الكهف قال تعالى ? إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا?.
فنص الله - تبارك وتعالى - في المواضع الثلاث على أن حكمة الخلق والإيجاد، ? لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ?.
ولم يقل ربنا - سبحانه وتعالى - لنبلوهم أيهم أكثر عملا، وإنما قال ? لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ? لأن الإسلام لا يهتم بالكم، وإنما يهتم الإسلام بالكيف.
¥