تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الكافرون: وهم الذين قال سبحانه في حقهم: (وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً). والظاهر أن قولهم (أراد الله) كان على سبيل الاستهزاء بادعاء الرسول أن المثل وحي منزل من الله، وإلا فان الكافرين والمنافقين كانوا ينكرون الوحي أصلاً.

ولا غرو في أن يكون شيء سبب الهداية لطائفة وسبب الضلال لطائفة أخرى، وما هذا إلا لأجل اختلاف القابليات، فمن استعد لقبول الحق والحقيقة فتصبح الآيات الإلهية سبب الهداية، وأما الطائفة الأخرى المعاندون الذين صمّوا مسامعهم عن سماع كلمة الحق وآياته فينكرون الآيات ويكفرون بذلك.

ثم إن الظاهر أن قوله سبحانه: (يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلا الفاسقين) من كلامه سبحانه، ولا صلة له بكلام المنكرين، بل تم كلامه بقوله: (بها مثلاً) وهو ان الأمثال تؤثر في قوم دون قوم.

ثم إنه يعلل إضلال غير المؤمنين بفسقهم ويقول: (وما يضل به إلا الفاسقين)، والفسق: عبارة عن خروج النواة من التمر، وفي الاصطلاح: مَن خرج عن طاعة الله، سواء أكان مسلماً متجرياً أو كافراً فاسقاً.

وقد أطنب المفسرون الكلام في مفاد الجملة الأخيرة أعني: (يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً) فربما يتوهم أن الآية بصدد الاشارة إلى الخبر، فحاولوا تفسير الآية بشكل يتلاءم مع الاختيار، وقد عرفت أن الحق هو أن الآية بصدد بيان أن المواعظ الشافية والكلمات الحِكَمية لها تأثير معاكس فيؤثر في القلوب المستعدة تأثيراً إيجابياً وفي العقول المنتكسة تأثيراً سلبياً.

هذا هو تفسير الآية.

وربما يحتمل أن الآية ليست بصدد بيان ضرب المثل بالبعوضة كضربه بالعنكبوت والذباب، بل الآية خارجة عن نطاق ضرب المثل بالمعنى المصطلح، وإنما الآية بصدد بيان قدرته وعظمته وصفاته الجمالية والجلالية، والآية بصدد بيان أن الله سبحانه لا يستحيي أن يستدل على قدرته وكماله وجماله بخلق من مخلوقاته سواء أكان كبيراً وعظيماً كالسماوات والأرض، أو صغيراً وحقيراً كالبعوضة والذباب، فمعنى ضرب المثل هو وصفه سبحانه بصفات الجلال أو الكمال.

ويدل على ذلك أنه سبحانه استدل على جلاله وكماله بخلق السماوات والأرض وقال: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون) البقرة/ 21 - 22.

يلاحظ على تلك النظرية بأمرين:

أولاً: لو كان المراد من ضرب المثل وصفه سبحانه بالقدرة العظيمة لكان اللازم أن يأتي بالآية بعد هاتين الآيتين مع أنه فصل بينهما بآيات ثلاث تركز على إعجاز القرآن والتحدي به، ثم التركيز على الجنة وثمارها كما هو معلوم لمن راجع المصحف الكريم.

وثانياً: ان القرآن يفسر بعضه بعضاً، فقد جاء قوله: (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم) في سورة الرعد بعد تشبيه الحق والباطل بمثل رائع، قال سبحانه: (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها .. ) إلى أن قال: (كذلك يضرب الله الأمثال) ثم قال: (أفمن يعلم إنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب * الذين يوفون بعهد اله ولا ينقضون الميثاق) الرعد/ 17 - 20.

تجد ان الآيات في سورتي البقرة والرعد كسبيكة واحدة يفسر بعضها البعض.

ففي سورة البقرة ذكر ضرب المثل بالبعوضة، كما ضرب في سورة الرعد مثلاً للحق والباطل.

ففي سورة البقرة قال سبحانه: (وأما الذين آمنوا فيعلمون انه الحق من ربهم).

وفي سورة الرعد قال سبحانه: (أفمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب).

وفي سورة البقرة قال: (وما يضل به إلا الفاسقين)، وفسّره بقوله: (الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه .. ) الخ.

وفي سورة الرعد، فسّر أولي الألباب بقوله: (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق) الرعد/ 20.

فبمقارنة هذه الآيات يعلم أن المراد من ضرب المثل هو المعنى المعروف أي التمثيل بالبعوضة لتحقير معبوداتهم أو ما يشبه ذلك.

نعم، ما نقلناه عن الإمام الصادق (ع) ربما يؤيد ذلك الوجه كما مرّ، فتدبّر.

*المصدر: الامثال في القران الكريم

ـ[أبو عبد المعز]ــــــــ[25 Nov 2005, 08:22 ص]ـ

جعفر السبحاني: المثل القرآني لتحقير معبودات الكافرين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير