وهو سبحانه يشير إلى ذلك المعنى بقوله: (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضة) (بل) فوقها في الصغر كالجراثيم التي لا ترى إلا بالمجهر،.
قلت: كلامه يناقش في موضعين:
لقد فهم الشيعي "الفاء" مرادفة ل"بل" ...... وهذا خطأ محض لأن الأولى من الواصلات العطفية والثانية من الفاصلات .... فكيف ترادفتا؟؟
بل الصواب ما قاله الطبري:
دخول الفاء في ما الثانية .... كما قالت العرب: "مطرنا ما زبالة فالثعلبية "و" له عشرون ما ناقة فجملا" و" هي أحسن الناس ما قرنا فقدما" يعنون: ما بين قرنها إلى قدمها وكذلك يقولون في كل ما حسن فيه من الكلام دخول: ما بين كذا إلى كذا ينصبون الأول والثاني ليدل النصب فيهما على المحذوف من الكلام فكذلك ذلك في قوله: {ما بعوضة فما فوقها}
أما الموضع الثاني فهو فهمه أن "فما فوقها"تعني ما هو أصغر ... وقد وصف الطبري هذا الفهم ب"خلاف تأويل أهل العلم الذين ترتضى معرفتهم بتأويل القران" وهذا كلامه:
وأما تأويل قوله {فما فوقها}: فما هو أعظم منها عندي لما ذكرنا قبل من قول قتادة و ابن جريج: أن البعوضة أضعف خلق الله فإذ كانت أضعف خلق الله فهي نهاية في القلة والضعف وإذ كانت كذلك فلا شك أن ما فوق أضعف الأشياء لا يكون إلا أقوى منه فقد يجب أن يكون المعنى على ما قالاه فما فوقها في العظم والكبر إذ كانت البعوضة نهاية في الضعف والقلة.
وقيل في تأويل قوله {فما فوقها} في الصغر والقلة كما يقال في الرجل يذكره الذاكر فيصفه باللؤم والشح فيقول السامع: نعم وفوق ذاك يعني فوق الذي وصفت في الشح واللؤم وهذا قول خلاف تأويل أهل العلم الذين ترتضى معرفتهم بتأويل القران.
لكن للإنصاف نشير إلى أن غير الطبري من المفسرين ذكروا القولين معا بدون نكير:
قال ابن كثير:
قوله تعالى: {فما فوقها} فيه قولان: أحدهما فما دونها في الصغر والحقارة كما إذا وصف رجل باللؤم والشح فيقول السامع نعم وهو فوق ذلك ـ يعني فيما وصفت ـ وهذا قول الكسائي وأبي عبيد قاله الرازي وأكثر المحققين وفي الحديث [لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة لما سقى كافرا منها شربة ماء] والثاني: فما فوقها لما هو أكبر منها لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة وهذا قول قتادة بن دعامة واختيار ابن جرير فإنه يؤيده ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة] فأخبر أنه لا يستصغر شيئا يضرب به مثلا ولو كان في الحقارة والصغر كالبعوضة كما لا يستنكف عن خلقها كذلك لا يستنكف من ضرب المثل بها كما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت.
قال البغوي:
{فما فوقها} يعنى الذباب والعنكبوت وقال أبو عبيدة أي فما دونها كما يقال وفوق ذلك أي وأجهل.
لكن ما يؤخذ على السحباني قوله:
ولو أريد ما فوقه في الكثرة يقول مكانه (فضلاً عن الدرهم والدرهمين).فلا حاجة الى هذه الفضلة لأن تعبير (فما فوقها) يفيد بنفسه الترتيب التصاعدي.