ثم قال: إن أبا عمرو سماه الجيم، وبدأ فيه بحرف الجيم، وهذا غلط فاحش وإنما بدأ فيه بالألف على ترتيب حروف المعجم، وسَمَّاهُ الجيمَ لِسرٍّ خَفِيٍّ تشهدُ عليه مقدمةُ الكتابِ، ولقد بلغني أَنَّ أولاد الرؤساء بمصر، سألوا ابنَ القَطَّاعِ اللغويَّ الصقليَّ عند تكرارهم إليه بحلقته عن السبب الموجب لتسمية الكتابِ بالجيم، وأوله الألف، فقال: مَنْ أرادَ علمَ ذلك فليعطني مائةَ دينارٍ لأعلمهُ به، فما في الجماعة مَنْ تَكَلَّمَ بعد ذلك».
ثم قال القفطي: «ولما وَهِمَ أبو منصور رحمه الله في نسبة هذا الكتاب إلى شَمِر، وغلط في ترتيب حروفهِ، وأَحسَّ من نفسه أَنَّه ليس على حقيقةٍ مِمَّا ذَكَرَهُ، فتحمَّل حديثاً طويلاً آخره، عُدْمُ الكتابِ المذكورِ بالغَرَقِ، تَجاوزَ الله عنا وعنه».
ولما عوتبَ القفطيُّ في قوله هذا من بعض طلاب العلم، وقال له: إنه يحتمل أن يكون هذا الاسم قد أطلق على الكتابين، فقال القفطي: «الذي يبعد الاحتمال أنه لو كان ذكر في ترجمة أبي عمرو إسحاق بن مرار كتابه الجيم، كان ذَكَرَ ذلك لِشَمِر بن حَمدويه، وما عَلِمَ أَنَّ لإسحاق كتاباً اسمه الجيم، فقد وَهِمَ من أبي عمرو إسحاق إلى أبي عمرو شَمِر، وهذا ظاهرٌ يشهدُ لنفسهِ). انتهى كلام القفطي.
وكتاب أبي عمرو شَمِر بن حَمدويه يُعَدُّ عند الدارسين - على الرغم من ضياعه - من أول الكتب اللغوية التي عنيت بأقوال المفسرين من السلف، وأكثرت من الاستشهاد بالشعر على ذلك، يقول الدكتور مساعد الطيار: «ويظهر أن أبا عمرو – أَي شَمِر بن حَمْدَوَيْه – وأبا إسحاق الحربي من أكثر اللغويين اعتناءً بأقوال المفسرين، ونقلها في دلالة ألفاظ اللغة، والله أعلم». التفسير اللغوي 437 الحاشية رقم 2 قال ذلك اعتماداً على ما نقله الأزهري في تهذيب اللغة.
وكتاب الجيم الذي نسبه الأزهري لِشَمِر بن حَمدَويه، قد دارَ حول نسبتهِ جدل قديم – كما تقدم وسيأتي - حيث نسبه الأزهريُّ لشَمِر بن حَمدويه، في حين نسبه القفطي لأبي عمرو الشيباني فحسب، ونفى أن يكون لشمر بن حمدويه كتاب بهذا الاسم.
وقد أفاض الدكتور حازم سعيد يونس في هذا الموضوع في دراسته وجمعه لمرويات شمر بن حمدويه اللغوية.
http://www.tafsir.net/images/shamir.jpg
فقال عند حديثه عن مؤلفات شَمِر بن حَمدَويه: (الجيم: دار جَدَلٌ في حقيقة هذا الكتاب قديماً وحديثاً، والأزهري من أوائل اللغويين الذين ذكروه، وأشاروا إلى قصته في مقدمة التهذيب) ثم نقل كلام الأزهري السابق.
ثم قال: «وكان كلامُ الأزهريِّ هذا أساساً لكلِّ مَن تَرجَموا لِشَمر بعدَهُ، وذكروا هذا الكتاب، ولم يزد أحدٌ منهم عليه شيئاً غير اختصاره أو إعادة ترتيبه من جديد، كابن الأنباري (ت557هـ) ([1])، وياقوت الحموي (ت622هـ) ([2])، والقفطي (ت646هـ) ([3])،والفيروزأبادي (ت817هـ) ([4])، والسيوطي (ت911هـ) ([5])، وحاجي خليفة (ت1036هـ) ([6]). قلتُ: والصفدي. ([7])
وقد ذكر القفطي أن الجيم لأبي عمرو الشيباني، لا لأبي عمرو شمر بن حمدويه، وأنه قد اشتبه الأمر على الأزهري لاتفاق كنية الرجلين. وقد أيد الدكتور رشيد العبيدي -وهو باحث عراقي درس في رسالته للدكتوراه منهج الأزهري في تهذيب اللغة، وهو الذي أخرج المستدرك على التهذيب في طبعته المحققه - دعوى القفطي، ودافع عنها، ورأى أنها التفاتةٌ بارعةٌ وذكيةٌ منه، وأنها الحقيقة التي لم ينتبه لها الدارسون، فلو كان لشمر كتاب باسم الجيم، لتردد ذكره في كتب اللغة، فالأزهري لم يورد منه شيئاً في أي مادة لغوية فسرها خلال التهذيب، بل ذكره في كتب أخرى، وهذا مما يدل على أنَّ نِسبتَه إلى شَمِر من قبيل الوهم. ([8])
ومع هذ فقد نسب بعض المحدثين الكتاب إلى شمر، ومنهم:
بروكلمان ([9])، والزركلي ([10])، وعمر رضا كحالة ([11])، وفرنرديم، الذي ذكر أن شمراً تأثر بعنوان كتابه، وربما بمادته أيضاً بالشيباني وابن شميل، لأنه درس على أساتذة كانوا من طبقتهم، وأنه كان مرتباً ترتيباً أبجدياً، ومنهم الدكتور عبدالحميد الشلقاني، الذي ذهب إلى أبعد من المتابعة، فدافع عن حقيقة الكتاب بقوله: (لولا شهادة العيان هذه لساورنا شك في هذا الكتاب الذي يتشابه اسمه مع كتاب آخر لأبي عمرو الشيباني). ([12])
¥