وما يمكن قوله إجمالا حول فضائل ليلة القدر "أنّ "الحركة" و"الفعل" و"الوصف" تنتمي إلى عالم متخيّل فضاء وزمانا وأعمالا و فواعل أسطوريّة بالمعنى الأنُروبولوجي لمفهوم الأسطورة" على حدّ قول بسّام الجمل.
والطريف في الأمر أنّ ناقلي تلك الأخبار والروايات اكتفوا بإعادة تناقلها دون إعمال عقل أو إبداء رأي أو محاولة نقد أو تأويل رغم ما فيها من غريب وعجيب يأبى العقل البشريّ تصديقه. "وهكذا فإنّ مختلف الأخبار الدائرة على فضائل ليلة القدر متّصلة وثيق الاتّصال بالمجرّد واللامرئيّ بالنسبة إلى المسلم. ولكنّه يعتقد اعتقادا راسخا وجودها حقيقة في الواقع التّاريخيّ الّذي ينتمي إليه وينخرط فيه ويتفاعل معه بوجه من الوجوه".
وممّا ل اشكّ فيه أن اللاوعي الجمعيّ الإسلاميّ هو الّذي خلق هذا العالم المفارق للواقع التّاريخيّ والمتحكّم فيه في آن. عالم تتقاذف فيه الملائكة والشياطين الإنسان. وبذلك ساهمت هذه الأخبار المتعلّقة بفضائل ليلة القدر في إنتاج عالم لامرئيّ غير أنّ العقل الإسلاميّ مصدّق له ومسلّم بوجوده تسليما تامّا.
ولئن "كانت مرويّات فضائل ليلة القدر نزّاعة في مضامينها إلى عالم اللامرئيّات"، فإنّ الأخبار الّتي تروي علامات ليلة القدر ترتبط بعالم المحسوسات أو المرئيات. و بذلك، حسب بسام الجمل، انشدّت تلك العلامات "مرجعيّا إلى الحواسّ التالية:
- البصر: رؤية الشمس طالعة بيضاء لا شعاع لها.
- اللمس: أثر مصافحة جبريل للمؤمنين.
- السمع: سماع سلام أو خطاب الملائكة.
- الذوق: تذوّق ماء البحر ليلة القدر» الّتي يضحى فيه ماء البحر عذبا سلسا.
والملفت للانتباه أنّ المتخيّل الشعبيّ يعتقد جازما في ليلة القدر وينتظر قدومها بفارغ الصبر علّ أبواب العرش تُفتح له فتُتقبّل أدعيته وأمنياته وتُغفر ذنوبه ويعود مطهّرا من كلّ ذنب. "فالذهنيّة الإسلاميّة السائدة قديما وحديثا لا تكاد تشكّ في صحّة ما يروى عن علامات ليلة القدر".
أمّا في ما يتعلّق بزمان ليلة القدر، فمن الملاحظ تعدّد الروايات واختلافها غير "أنّ جلّ المواقف القديمة والحديثة الواردة في أدبيّات التفسير القرآنيّ والحديث النّبويّ والتاريخ الإسلاميّ عامّة تميل إلى اعتبار الليلة السابعة والعشرين من رمضان هي ليلة القدر".
ولا يخفى ما لهذه الليلة، ليلة السابع والعشرين، من أهميّة ورمزيّة في المتخيّل الشعبيّ الإسلاميّ. حيث ينتظر المسلم هذه الليلة ويحتفي بها أيّما احتفاء ويكثر من أشكال تعبّده ويقوم بعدّة طقوس و شعائر. كما يكثر من أدعيته وتضرّعاته إلى الخالق علّه يمسح ذنوبه ويدخله جنّة النعيم في الدار الآخرة ويحقّق أحلامه في الدار العاجلة.
و بعد المقاربة الوصفيّة للمرويّات المتعلّقة بمظاهر المتخيّل الإسلاميّ في ليلة القدر، خلُص بسّام الجمل إلى أنّ مظاهر المتخيّل الّتي عاينها من خلال أسباب النزول وفضائل ليلة القدر وعلاماتها وزمانها تقوم على "احتواء المحاور المذكورة على مستويات عديدة من المتخيّل من قبيل انفجار ماء عذب من لحيين ورؤيا الرسول سواء أكانت في اليقظة أم في النوم ونزول جبريل والملائكة إلى الأرض وقيامهم بأعمال شتّى على صعيدي الأفعال والأقوال فضلا عن سدرة المنتهى والروح القابع تحت العرش وعن سجود الأشجار وانقلاب الماء المالح الأجاج إلى ماء عذب».
ولذا يصحّ القول بأنّ الأخبار والمرويّات المتعلّقة بليلة القدر تحتفي بكلّ مظاهر العجيب
والغريب. كما أنّها تحكي عن عالم لامرئيّ تحكمه الخوارق إلاّ أنّها ساهمت في خلق متخيّل إسلاميّ يعتقد كلّ الاعتقاد بهذه الليلة ومن لا يؤمن بهذه الليلة كافر بالدّين الإسلاميّ القائم أساسا على المتخيّل.
و قد بيّن بسّام الجمل في الفصل الثّاني من كتابه المذكور أنّ المرويّات المتعلّقة بليلة القدر قد تغيّرت زمانيّا كما أنّ الخبر الواحد قد يروى بصيغ عدّة مختلفة زيادة أو نقصانا.
¥