تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومع أن هذا الرأي لا يعدو أن يكون احتمالاً مقدماً عليه المجاز؛ إلا أن السبكي لم يرتضه، فلا يصح عنده هذا الاحتمال، قال: (لأن التدبير –أيضاً- يستحيل نسبة حقيقته إلى الله تعالى) (12)، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً (13).

وهذا الذي ذكروه بصيغة الاحتمال هو الحق، وهو ظاهر اللفظ في المعنى الموضوع له، إذ المكر هو: التوصل إلى إيقاع الخصم من حيث لا يشعر (14)، ومنه ما هو محمود ومنه ما هو مذموم، ويوصف به الله في مقام المدح، لا على الإطلاق، كما في مقام الجزاء والعقوبة ومقابلة مكر الماكرين، ولذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «وامكر لي ولا تمكر علي» (15)، قال الفيروزأبادي: (المكر: صرف الغير عما يقصده بنوع من الحيلة… والمكر ضربان:

محمود؛ وهو ما يتحرى به أمر جميل، وعلى ذلك قوله تعالى: (والله خير الماكرين) (16)

ومذموم؛ وهو ما يتحرى به فعل ذميم، نحو قوله تعالى: (ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) (17).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رداً على القائلين بالمجاز: (وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن، كلفظ ”المكر والاستهزاء والسخرية“ المضاف إلى الله، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك؛ بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلماً له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلاً) (18)

وفي مختصر الصواعق كلام تام حول وصف الله عز وجل بهذه الصفة وغيرها من الصفات التي غلب استعمال العامة لها في المعاني المذمومة، كالمكر والخداع والاستهزاء والكيد، قال فيه بعد أن ذكر جملة من الآيات فيها: (لما كان غالب استعمال هذه الألفاظ في المعاني المذمومة ظن المعطلون أن ذلك هو حقيقتها، فإذا أطلقت لغير الذم كانت مجازاً. والحق خلاف هذا الظن، وأنها منقسمة إلى محمود ومذموم، فما كان منها متضمناً للكذب والظلم فهو مذموم، وما كان منها بحق وعدل ومجازاة على القبيح فهو حسن ممدوح، فإن المخادع إذا خادع بباطل وظلم، حسن من المجازي له أن يخدعه بحق وعدل، وكذلك إذا مكر واستهزأ ظالماً متعدياً، كان المكر به والاستهزاء عدلاً حسناً…) ثم قال: (فعلم أنه لا يجوز ذم هذه الأفعال على الإطلاق، كما لا تمدح على الإطلاق، والمكر والكيد والخداع لا يذم من جهة العلم ولا من جهة القدرة، فإن العلم والقدرة من صفات الكمال؛ وإنما يذم ذلك من جهة سوء القصد وفساد الإرادة، وهو أن الماكر المخادع يجور ويظلم بفعل ما ليس له فعله أو ترك ما يجب عليه فعله)، ثم قال: (والمقصود أن الله سبحانه لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق، فكيف من الخالق سبحانه، وهذا إذا نزلنا ذلك على قاعدة التحسين والتقبيح العقليين؛ وأنه سبحانه منزه عما يقدر عليه مما لا يليق بكماله، ولكنه لا يفعله لقبحه وغناه عنه، وإن نزلنا ذلك على نفي التحسين والتقبيح عقلاً؛ وأنه يجوز عليه كل ممكن ولا يكون قبيحاً، فلا يكون الاستهزاء والمكر والخداع منه قبيحاً ألبتة، فلا يمتنع وصفه به ابتداء، لا على سبيل المقابلة على هذا التقدير، وعلى التقديرين فإطلاق ذلك عليه سبحانه على حقيقته دون مجازه) (19)، والله أعلم.

الحواشي===========================

(1) مجاز القرآن/209و442، ومقدمة تفسير ابن النقيب/36، والإيضاح/400، والبرهان للزركشي 2/ 381.

(2) عروس الأفراح3/ 180، و4/ 38و44، والبرهان للزركشي2/ 397،.

(3) انظر: المفتاح/424، والروض المريع/164، والطراز/387، والفوائد الغياثية/161، وطراز الحلة/413، والمنزع البديع/402، والبرهان للزركشي3/ 449 و3/ 507.

(4) الروض المريع/164، وقال الدكتور محمد الصامل في المدخل إلى بلاغة أهل السنة/80 بعد أن ذكر قول ابن البناء: (وهذا هو مفهوم المشاكلة عند المتأخرين).

(5) عروس الأفراح4/ 38، وانظر: الإكسير/65، ومختصر الصواعق المرسلة/289 و292.

(6) عروس الأفراح3/ 180.

(7) البرهان للزركشي 2/ 397.

(8) انظر: سر الفصاحة/133، وهذا القول نقله عن أبي بكر الصولي.

(9) آل عمران: 21، والتوبة: 34، والانشقاق: 24.

(10) عروس الأفراح4/ 44، وانظر: الإكسير/65.

(11) انظر: مجاز القرآن/209 و442، ومقدمة تفسير ابن النقيب/36، والإيضاح/400.

(12) عروس الأفراح4/ 38.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير