تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ* وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ" (الزخرف/ 15 - 19)، وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ" (51)، "أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ" (الطور/ 39)، "إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاْلآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى" (النجم/ 27). وقيل إن المقصود فى آية "الأنعام" ليس الجن بل الملائكة، فقد عبدوهم وقالوا: الملائكة بنات الله، وقد سماهم القرآن: "جِنًّا" لاجتنانهم (أى لاختفائهم) تحقيرا لشأنهم. وقيل: بل المقصود بـ"الجن" الشياطين لأنهم أطاعوهم كما يطاع الله تعالى، أو لأنهم كانوا يقولون إن الله خالق الخير وكل ما هو نافع، والشيطان خالق الشر وكل ما هو ضارّ. وبقريبٍ من هذا فسَّر ابن الكلبى النص القرآنى، إذ قال حسبما نقل الواحدى: "نزلت هذه الآية في الزنادقة، قالوا: إن الله تعالى وإبليس أخوان، والله خالق الناس والدواب، وإبليس خالق الحيات والسباع والعقارب". وقد حاول الزمخشرى، فى تفسيره لآيات "الصافات"، أن يسوِّغ تسمية الملائكة: "جِنًّا" بقوله إن جنس الملائكة والشياطين واحد، وهو جنس الجن، "ولكنّ مَنْ خَبُثَ من الجن ومَرَد وكان شرًّا كله فهو شيطان، ومن طَهُرَ منهم ونَسُكَ وكان خيرًا كله فهو مَلَك، فذَكَرَهم في هذا الموضع باسم جنسهم، وإنما ذكرهم بهذا الاسم وضعًا منهم وتقصيرًا بهم ". أما أنا فأرى أن الجن هنا إنما هم الجن الذين نعرفهم لا الملائكة، وليس هناك أى دليل على أن الجن فى هذه الآية أو فى أى موضع آخر من القرآن المجيد هم الملائكة. وإن فى القول بذلك لَخَلْطًا بين الألفاظ والمفاهيم يفسد تفسير القرآن إفسادا. ثم لماذا يحقِّر القرآن الملائكة، وهم عباد مُكْرَمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمَرون ولا يعرفون معنى الاستكبار حسبما وصفهم الله سبحانه فى الآية 50 من سورة "النحل" والآيتين 26 - 27 من سورة "الأنبياء"، ولا ذنب لهم فى أن العرب كانوا يشركونهم بالله؟ كما أن قوله تعالى المارّ ذكره آنفًا: "وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ* قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ" (سبأ/ 40 - 41) هو أكبر دليل على أن الجن شىء، والملائكة شىء آخر، فها هم أولاء الملائكة تنكر أن يكون المشركون قد عبدوهم، وتؤكد فى الوقت ذاته أنهم إنما كانوا يعبدون الجن، بما يعنى أن كلا منهما فريق مختلف تماما عن الفريق الآخر. وليس بعد قول لله قول! ثم إن الجن مكلَّفون، أما الملائكة فهم لا يعصون الله فى شىء مما يدل على أنهم غير داخلين فى التكليف، وإلا لكان منهم المطيعون والعصاة، فضلا عن أن الجن مخلوقون من نار حسبما صرَّح القرآن الكريم، فهل الملائكة ناريّون أيضا؟ ومعنى قوله تعالى: "وخرقوا له بنين وبنات بغير علم" أنهم افْتَرَوْا بجهلٍ فاحشٍ أن له سبحانه بنين وبنات، فقالت اليهود: عُزَيْرٌ ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، وقالت العرب: الملائكة بنات الله". وكان "بنو مليح يعبدون الملائكة" كما جاء على لسان ابن الزِّبَعْرَى قبل إسلامه فى سبب نزول قوله تعالى: "إِنَّكُم وَما تَعبُدونَ مِن دونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُم لَها وارِدونَ". وكان الجن فى نظرهم يعلمون الغيب، ولهذا حكى القرآن الكريم قصتهم مع سليمان عليه السلام وكيف أنهم ظلوا يعملون فى السخرة تحت إمرته حتى بعد أن مات، إذ كانوا يرونه مستنِدا بذقنه إلى العصا فيحسبون أنه لا يزال حيا، إلى أن أكلت النمل العصا فخرّ عليه السلام. فعندئذ، وعندئذ فقط، عرفوا أنه قد مات، ولو كانوا يعلمون الغيب ما ظلوا يعملون ويقاسون العذاب المهين فى ذلك العمل: "فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ" (سبأ/ 14).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير