تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومما رُوِىَ عن الكفار فى هذا المجال "أن أبي بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظمٍ بالٍ يفتّته بيده، وقال: أترى الله يُحْيِى هذا بعدما رُمّ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، ويبعثك ويدخلك النار". كما رُوِىَ أن عتبة وشيبة وأبا سفيان والنضر بن الحرث وأبا البختري والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف ورؤساء قريش اجتمعوا على ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تُعْذَروا به. فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك. فجاءهم سريعا وهو يظن أنه بدا في أمره بَدَاء (أى غيروا موقفهم منه)، وكان عليهم حريصًا يحب رشدهم ويعز عليه تعنُّتهم حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد، إنا والله لا نَعْلَم رجلاً من العرب أَدْخَلَ على قومه ما أدخلتَ على قومك. لقد شتمت الآباء وعِبْتَ الدين وسَفَّهْتَ الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة، وما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك. فإن كنت إنما جئت به لتطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سّوَّدْناك علينا، وإن كنت تريد مُلْكًا ملَّكْناك علينا، وإن كان هذا الرَّئِىُّ الذي يأتيك تراه قد غلب عليك (وكانوا يسمّون التابع من الجن: الرَّئِىّ) بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نُبْرِئك منه أو نُعْذَر فيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون. ما جئتكم بما جئتكم به لطلب أموالكم ولا للشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله عز وجل بعثني إليكم رسولاً وأنزل عليَّ كتابا، وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلَّغْتُكم رسالة ربي ونصحتُ لكم. فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردّوه عليَّ أَصْبِر لأمر الله حتى يحكم بيني وبينكم. قالوا: يا محمد، فإن كنتَ غير قابل منا ما عرضنا فقد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلادا ولا أقلّ مالاً ولا أشدّ عيشا منا. سَلْ لنا ربك الذي بعثك بما بعثك، فلْيُسَيِّرْ عنا هذه الجبال التي ضيّقت علينا ويبسط لنا بلادنا ويُجْرِ فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وأن يبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن ممن يُبْعَث لنا منهم قُصَيّ بن كلاب، فإنه كان شيخًا صَدُوقًا، فنسألهم عما تقول: حَقٌّ هو؟ فإن صنعتَ ما سألناك صدَّقناك وعرفنا به منزلتك عند الله، وأنه بعثك رسولاً كما تقول". ووجه الشاهد فى الخبر أنهم تحدَّوْه، ضمن ما تحدَّوْه به، أن يأتى لهم بمن مات من آبائهم، وعلى رأسهم جَدّه قُصَىّ بن كلاب، إذ كانوا، كما قلنا، يَرَوْنَ استحالة عودة الميت إلى الحياة، أما من يقول بغير هذا فعليه أن يُثْبِت ما يقول ويعيد الموتى إلى الدنيا كرة أخرى! وثمة خبر فى "أسباب النزول" للواحدى يفسّر سبب نزول قوله عز وجل: "وَأَقسَموا بِاللهِ جَهدَ أَيمانِهِم لا يَبعَثُ اللهُ مَن يَموتُ"، وفيه أنه "كان لرجل من المسلمين على رجل من المشركين دَيْن فأتاه يتقاضاه، فكان فيما تكلَّم به: والذي أرجوه بعد الموت. فقال المشرك: وإنك لتزعم أنك لتُبْعَث بعد الموت؟ فأقسم بالله لا يبعث الله من يموت. فأنزل الله تعالى هذه الآية". وكانوا يتهكمون بما ينزل به القرآن فى أوصاف الجنة، كالذى يُرْوَى عن أبى جهل من أنه "لما ذكر الله تعالى الزَّقُّوم خُوِّف به هذا الحي من قريش، فقال أبو جهل: هل تدرون ما هذا الزقوم الذي يخوفكم به محمد ... ؟ قالوا: لا. قال: الثَّرِيد بالزبد! أمَا والله لئن أمكننا منها لنَتَزَقَّمَنَّها تَزَقُّمًا. فأنزل الله تبارك وتعالى: "وَالشَجَرَةَ المَلْعُونَةَ في القُرآنِ وَنُخَوِّفُهُم فَما يَزيدُهُم إلا طُغْيَانًا كَبِيرًا" ... ". ومن هذا الوادى أيضا ما جاء فى بعض الروايات من أن "خَبّاب بن الأرتّ كان قَيْنًا، وكان يعمل للعاص بن وائل السهمي، وكان العاص يؤخر حقه، فأتاه يتقاضاه، فقال العاص: ما عندي اليوم ما أقضيك. فقال: لستُ بمفارقك حتى تقضيني. فقال العاص: يا خباب، مالك؟ ما كنتَ هكذا! وإِنْ كنتَ لَتُحْسِن الطلب. فقال خباب: ذاك أني كنت على دينك، فأما اليوم فأنا على الإسلام مفارق لدينك. قال: أولستم تزعمون أن في الجنة ذهبًا وفضةً وحريرًا؟ قال خَبّاب: بلى. قال: فأَخِّرْني حتى أقضيك في الجنة، استهزاءً. فوالله لئن كان ما تقول

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير