تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تُفْلِحُونَ" (المائدة/ 90). وفى القمار يقول الطبرى إنهم "كانوا يياسرون (أى يتقامرون) على الجَزُور (وهو الجمل أو الناقة المُعَدّان للذبح)، وإذا أفلج الرجلُ منهم صاحبَه (أى كَسَبَه) نَحَرَه، ثم اقتسموا أعشارا على عدد القِدَاح (السهام). وفي ذلك يقول أعشى بني ثعلبة:

وجَزُورِ أيْسارٍ دَعَوْتُ إلى النّدَى ** ونِياطِ مُقْفِرَةٍ أخافُ ضَلاَلهَا"

ويزيد الزمخشرى الأمر تفصيلا فيقول: " كانت لهم عشرة أقداح، وهي الأزلام والأقلام: الفَذّ والتَّوْأم والرقيب والحِلْس والنَّافِس والمُسْبِل والمُعَلَّى والمَنِيح والسَّفِيح والوَغْد. لكل واحد منها نصيب معلوم من جَزُور ينحرونها ويجزئونها عشرة أجزاء (وقيل: ثمانية وعشرين)، إلا لثلاثة، وهي المَنِيح والسَّفِيح والوَغْد. ولبعضهم:

لِيَ في الدنيا سهامٌ ليس فيهنّ رَبِيحُ ** وأساميهنّ وَغْدٌ وسَفِيحٌ ومَنِيحُ

للفَذّ سهم، وللتوأم سهمان، وللرَّقِيب ثلاثة، وللحِلْس أربعة، وللنَّافِس خمسة، وللمُسْبِل ستة، وللمُعَلَّى سبعة. يجعلونها في الرِّبَابة، وهي خريطة، ويضعونها على يدي عَدْل، ثم يجلجلها ويُدْخِل يده فيُخْرِج باسم رجل رجل قِدْحًا منها. فمن خرج له قِدْحٌ من ذوات الأنصباء أخذ النصيب الموسوم به ذلك القِدْح. ومن خرج له قِدْحٌ مما لا نصيب له لم يأخذ شيئا وغَرِمَ ثمن الجزور كله. وكانوا يدفعون تلك الأنصباء إلى الفقراء ولا يأكلون منها، ويفتخرون بذلك ويذمّون من لم يدخل فيه، ويسمونه: "البَرَم".

وفى الآيتين تحريم للأزلام أيضا، وهى سهامٌ ثلاثةٌ متشابهةٌ كانوا يضعونها فى كنانة، ثم يحركونها حتى تختلط ولا يمكن تمييز أحدها عن الآخر، ثم يمد الكاهن يده فيسحب منها واحدا. فإذا كان هذا السهم مكتوبا عليه:"افعل"، فإن الشخص المُسْتَقْسِم يفعل ما كان ينوى أن يفعله، وإن خرج السهم المكتوب عليه: "لا تفعل"، فإنه لا يفعل ما كان يريد، أما إذا كان السهم غير مكتوب عليه شىء، أُعِيد تحريك السهام وبدأت عملية الاستقسام من جديد. وقد استبدل الإسلام بهذه الطريقة الوثنية طريقة أخرى تربط الإنسان بربه، وهى "الاستخارة". ونترك الإمام الطبرى يشرح الأمر بقلمه كما كتبه عند تأويله للآية الخامسة من سورة "المائدة": "ذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوًا أو نحو ذلك أجال القِدَاح، وهي الأزلام (أى هَزّ الكنانة بما فيها من سهام)، وكانت قِدَاحا مكتوبا على بعضها: نهاني ربي، وعلى بعضها: أمرني ربي. فإن خرج القِدْح الذي هو مكتوب عليه: "أمرني ربي" مضى لما أراد من سفر أو غزو أو تزويج وغير ذلك. وإن خرج الذي عليه مكتوب: "نهاني ربي" كَفَّ عن المضيّ لذلك وأمسك. فقيل: "وأنْ تَسْتَقْسِمُوا بالأزلامِ"، لأنهم بفعلهم ذلك كانوا كأنهم يسألون أزلامهم أن يَقْسِمْنَ لهم. ومنه قول الشاعر مفتخرا بترك الاستقسام بها:

ولَمْ أَقْسِمْ فتَرْبُتَني القُسُومُ

وأما "الأزلام" فإن واحدها "زَلَم", ويقال "زُلَم"، وهي القِداح التي وصفنا أمرها". وهذه الأزلام كانت عند الكهنة، وكانوا هم الذين يقومون بعملية الاستقسام حسبما أورد الطبرى عن السُّدِّىّ.

ومن الملاحظ تكرير القرآن النهى عن التطفيف فى الكيل والميزان وتوعُّده لمن يصنع ذلك بالعقاب الشديد، وواضح أن العرب كانوا لا يراعون العدل كما ينبغى فى هذا المجال، وإلا لم يكن القرآن ليتحدث فى ذلك الموضوع ويكرر القول فيه: "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ" (الأنعام/ 152)، "وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً" (الإسراء/ 35)، "وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ " (الرحمن/ 9)، "وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ" (المطففين/ 1 - 3). وفى الطبرى: "عن عبد الله قال: قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، إن أهل المدينة لَيُوفُون الكيل. قال: وما يمنعهم من أن يوفوا الكيل، وقد قال الله: "وَيْلٌ للْمُطَفّفِينَ* ... * يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبّ الْعالَمِينَ"؟ ... وعن ابن عباس قال: لما قَدِم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير