تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولاشك أن ترجمةً مثل هذه تحتاج إلى دراسة علمية مفصَّلة تليق بها وبصاحبها، ولست أعلم أحدا نهض بهذا العبء قبلا. وكنت قد رأيت نسخة من هذا الكتاب لأول مرة فى لندن عام 1982م فى إحدى المكتبات التى تبيع الكتب العربية والإسلامية، ثم وجدت نسخة أخرى فى مكتبة كلية التربية بالطائف عام 1991م واستعنت بها فى كتابى عن سورة "الرعد". ثم لما عدت إلى مصر شرعت أبحث عنها فعثرت على نسخة فى مكتبة جامعة القاهرة صوَّرْتُها وأنا فى ذروة الانشراح، وهذه الصورة كانت أحد مراجعى فى دراستى لسورة "المائدة" التى خالفتُ فيها أسد فى بعض ما قاله عن عقوبة الحرابة. وهأنذا أجد فى الدوحة نسخة رابعة سهل لى استعارتها الأستاذ أحمد الصِّدّيق الشاعر الإسلامى المعروف وخطيب المسجد المجاور للدارة التى أسكنها فى منطقة الدحيل الجديد. وكان للدكتور حسن على دَبَا، وهو صديق مصرى يعمل فى الصحافة القطرية، دور كبير فى تسريع وصولها إلىَّ، فلكليهما أجزل الشكر على هذه اليد الكريمة.

وقد لاحظتُ أن أسد، على طول ترجمته كلها، لم يُسَمِّ قطّ ربَّ العزة باسم "الله" مُؤْثِرًا استعمال كلمة " God"، ولا أدرى السر فى ذلك [1]. إن كلمة "الله" اسمُ عَلَم، وأسماء الأعلام لا تتغير فى الترجمة، بل تبقى على حالها كما هو معروف. وإذا كان سافارى وجاك بيرك مثلا فى ترجمتيهما للقرآن إلى اللغة الفرنسية قد صنعا مثل هذا فمن السهل أن يفسَّر ذلك بأنه كراهية منهما لهذا الاسم الكريم الذى يُعْرَف به المولى فى دين محمد، لكن ماذا عن أسد، الذى ترك دينه وأسماء الإله فيه إلى الإسلام وإلهه؟ ترى لماذا تخلى بتلك البساطة عن هذه الخصوصية الإسلامية الجميلة؟

كذلك كنت أوثر لو استعمل أسد النطق العربى لأسماء الأنبياء اتباعا لطريقة القرآن، ولا يكتبها كما يكتبها الإنجليز (هكذا: Noah, David, Aaron, Moses, Ishmael, Abraham, Zachariah, Jonas, Elijah, Solomon, John, Jesus)، إذ المقصود بترجمة القرآن، فيما أفهم، هو نقل القارئ الأجنبى إلى جو القرآن بقدر الإمكان لا لَىّ القرآن ليتماشى مع الجو الثقافى، والدينى منه بالذات، لذلك القارئ. وفى الهامش أو بين قوسين، إن كان لابد من ذلك، مندوحة للمترجم بذكر الاسم الذى يألفه من تَرْجَم لهم، فنجمع بذلك بين الحسنيين. ولابد من القول مع ذلك إن ترجمة الأستاذ أسد لا تنفرد بهذا الذى أخذتُه عليها من بين الترجمات التى قام بها مسلمون، لكن أملى الكبير فيه هو الذى بعثنى على قول ما قلت [2].

وبالمثل نراه يترجم "الهجرة" فى الأغلبية الساحقة من المرات بـ " Exodus"، وهى الكلمة التى ارتبطت بتاريخ اليهود وخروجهم جميعا دفعة واحدة من مصر [3]. لقد تحولت اللفظة العربية إلى اسم علم تقريبا، بل لقد دخلت اللغات الأوربية كما هى دون تغيير مع كتابة حرفها الأول " H" بالحجم الكبير دلالة على أنها تعامَل فى تلك اللغات أيضًا معاملة الأعلام. وقد انسلخ كاتبنا، كما قلت، عن يهوديته، فلماذا يهجر الكلمة العربية المسلمة إلى تلك اللفظة الأجنبية ذات الإيحاءات اليهودية؟ وقد سبق أن انتقدتُ بيرك لنفس السبب فى كتابى الذى وقفتُه على دراسة ترجمته الفرنسية للقرآن الكريم، وأحسب أن الأستاذ محمد أسد أولى بالعتب من بيرك لأنه مسلم، أما بيرك فلا. ومما ترجم به كاتبنا مصطلح "الهجرة" أيضا كلمة " Flight: الفرار"، وهى ترجمة خاطئة، بل لا أتجنى عليه إذا قلت إنها مسيئة فى حق الرسول عليه السلام. إن من المقبول أن يقول مترجمنا مثلا فى خروج موسى عليه السلام من مصر، بعد وَكْزه المصرىَّ وقضائه عليه، إنه "فرار" [4] لأن القرآن نفسه يقول على لسان ذلك الرسول فى حديثه إلى فرعون بعد أن عاد إلى أرض الكنانة محملا برسالة السماء: "ففَرَرْتُ منكم لمّا خِفْتُكم" [5]. وفوق ذلك فإن هذا الفرار إنما كان قبل بعثته، ولذلك لم يعقّب الله سبحانه على تصرفه هذا بشىء، على عكس الحال فى قصة يونس عليه السلام حين "أَبَقَ" من قومه ضِيقًا بعنادهم وتصلبهم فى الكفر، فركب سفينة ورست عليه القرعة فألقى بنفسه فى البحر ليبتلعه الحوت ويقاسى فى بطنه الأهوال إلى أن كتب الله له الفرج، أما تسمية الهجرة المحمدية "فرارا" فلا معنى لها، بل هى خطأٌ صراحٌ وإساءةٌ لا تصح. وإذا كان بعض المستشرقين غير المسلمين يستعملون هذه اللفظة لقد كان أقمن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير