تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بأسد اختطاط سبيل أخرى. وعنده متسع عريض فى كلمة " Hegira"، التى دخلت قاموس اللغة الإنجليزية وأصبحت جزءا لا يتجزأ من تلك اللغة كما أوضحت. إن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يهاجر من مكة إلا بإذن الله، فكيف تسمَّى هجرته "فرارا"؟ ثم إن أسد نفسه يقول إن لفظة "الهجرة" هى من الألفاظ ذات الإيحاءات الروحية، فكيف طاوعته نفسه إذن لترجمتها بـ"الفرار" منزلا إياها من السماء السابعة إلى الأرض؟

وقد ترجم كاتبنا أيضا عبارة "من خِلاف" فى قوله تعالى: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويَسْعَوْن فى الأرض فسادا أن يُقَتَّلوا أو يُصَلَّبوا أو تُقَطَّع أيديهم وأرجلهم من خِلافٍ أو يُنْفَوْا من الأرض" [6]،وكذلك فى قوله على لسان فرعون يهدد سَحَرته بعد أن انقلبوا عليه وآمنوا بموسى: "فلأُقَطِّعَنَّ أيديَكم وأرجلَكم من خِلاف" [7] بـ" ( because of your perversness) of perversness in result"، أى بسبب الخلاف والإفساد، مخالفا بذلك ما قاله علماء المسلمين من أن المقصود هو قطع اليد اليمنى والقدم اليسرى، أى من جهتين مختلفتين.

والحق أن من الصعب جدا موافقة الأستاذ أسد على هذه الترجمة، إذ من غير المعقول أن يفهم، وهو الأجنبى وبعد كل هاتيك القرون، تعبيرا عربيا قديما أفضل مما فهمه كل المفسرين والفقهاء المسلمين تقريبا. وأيضا من الصعب جدا أن تكون عبارة "من خِلاف" إشارة إلى علة تقطيع أيدى هؤلاء وأولئك وأرجلهم، لأن تلك العلة قد نُصَّ عليها قبل ذلك فى كل الآيات المذكورة: ففى آيات "المائدة" نقرأ فى أولها: "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويَسْعَوْن فى الأرض فسادا ... "، فالعلة إذن هى محاربة الله ورسوله والسعى فى الأرض فسادا، فلماذا يعاد النص على تلك العلة بعد ذلك، وعلى هذا النحو الغامض، بعبارة "من خلاف أما فى الآية الخاصة بفرعون فإننا نسمعه يقول للسحرة: "آمنتم له قبل أن آذَنَ لكم؟ إن هذا لَمَكْرٌ مكرتموه فى المدينة لتُخْرِجوا منها أهلها". وواضح أنه يشير إلى العلة التى أوجبت فى نظره تقطيع أيديهم وأرجلهم وتصليبهم فى جذوع النخل. كذلك فلو كانت عبارة "من خلاف" تشير إلى سبب التعذيب فلماذا لم تُذْكَر إلا عقب الصنف الأول منه فقط ولم تؤخَّر إلى ما بعد الفراغ من ذكر كل ألوانه ما دامت هى علة هذه الضروب العقابية جميعا؟ ثم إننا لم نسمع باستخدام هذا التعبير فى المعنى المذكور، ولو كان هناك شاهد من النصوص القديمة عليه فلماذا لم يسقه الأستاذ أسد؟ الواقع أن الذوق العربى لا يرتاح إلى هذا الاستعمال، وأغلب الظن أن الأستاذ أسد قد اعتسف هذا التفسير أوّلاً فى سورة "المائدة" ليَخْلُص منه إلى إلغاء عقوبة الحرابة على ما سوف يأتى بيانه فى فصل لاحق، ثم اضْطُرّ أن يقول به فى آية فرعون والسَّحَرة حتى لا يناقض نفسه. هذا هو تفسيرى للمسألة، والله أعلم.

ومن الألفاظ القرآنية التى يتصرف أسد فى ترجمتها تصرفا واسعا يطمس مفهومها طمسا لفظ "الأعراف". وهذا اللفظ يشير إلى مفهوم قرآنى خاص، فكان ينبغى من ثَمَّ أن يبقى كما هو، ويشرحه أسد فى الهامش على النحو الذى يفهمه، فيجمع بذلك بين وفاء الترجمة للأصل وشرح هذا الأصل بما يعتقد أنه هو المعنى الصحيح. لقد ترجم كاتبنا لفظ "الأعراف" بما يعنى أنه "القدرة على معرفة الحق والباطل والتمييز بينهما ومن ثم فقوله تعالى: "وعلى الأعراف رجال يعرفون كُلاًّ (أى كُلاًّ من أهل الجنة وأهل النار) بسيماهم" قد صار فى الترجمة الإنجليزية هكذا: "… they who [in life] were endowed with the faculty of discernment [between right and wrong]: أولئك الذين كانوا فى الدنيا يتمتعون بالقدرة على التمييز بين الصواب والخطإ"، وهو ما يعنى أنه لا "أعراف" فى الآخرة كما يُفْهَم من النص القرآنى. فكيف كان ذلك؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير