تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

منها سليمان، وإن أنكروا فى ذات الوقت أن يكون قد زنى بها إنكارا شديدا. ومن الواضح هنا أيضا أن أسد مع عدم عصمة الأنبياء.

وهو يرى أن قوله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم: "ألم نشرح لك صدرك* ووضعنا عنك وِزْرك* الذى أنقض ظهرك* ... ؟ " يشير بكل وضوح إلى الأخطاء التى اقترفها عليه السلام قبل البعثة. ولكن أية أخطاء يا ترى تلك التى اقترفها النبى آنذاك؟ هنا يسكت أسد. ولست أوافقه على أن معنى "الوزر" فى الآيات الكريمة أخطاء ارتكبها الرسول فى الجاهلية، إذ لو كان الأمر كذلك فلماذا تُنْقِض هذه الأخطاء ظهره، وهو لم يكن مكلفا آنئذ ولا آخذه الله عليها فى أى موضع من القرآن ولا اتخذها أحد من قومه تُكَأَةً للنيل من سمعته أو للتشويش على أخلاقه ونبوته؟ علاوة على أن مَنَّ الله عليه بشرح صدره وطمأنته إياه بأنه ما من عُسْر إلا ومعه يُسْر إنما يشير بالأحرى إلى ضيق صدره عليه السلام بشىء من قبيل فتور الوحى عليه فى أول الدعوة أو معاندة المشركين له أو ما إلى ذلك. أى أن الوزر هنا وزر نفسى لا أخلاقى. أما إذا كان المقصود بشرح الصدر دلالته المادية بمعنى شقه واستخراج نصيب الشيطان منه وغسله بالثلج أثناء طفولته الأولى فى بادية بنى سعد كما جاء فى بعض الروايات، فإن ذلك ينسف ما قاله محمد أسد عن الرسول من أساسه، إذ معناه أنه عليه السلام قد أصبح محميا تماما من الوقوع فى الذنوب والآثام.

وعلى أية حال فإنه صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكون قد وقعت منه أخطاء مما يتحدث عنها الكاتب، وإلا لاتخذها المشركون حين جاءهم بالدين الجديد سلاحا من أسلحة الحرب النفسية التى شنوها عليه منذ اللحظة الأولى. ترى لو كانت هناك أخطاء من ذلك النوع أكانوا يتركونها ويتهمونه بما يعلمون هم قبل غيرهم أنه باطل، وهو أنه ساحر ومجنون وكذاب ويكتتب قصصه عن الأنبياء السابقين وأممهم من بعض الرقيق المكى من أهل الكتاب؟ أيعقل أن يكون فى يد إنسان عُمْلة سليمة فيلقى بها فى عُرْض الطريق ويتخذ بدلا منها نقودا زُيُوفا؟ ترى لو كان النبى عليه السلام قد زنى أو حتى قبَّل امرأة مجرد تقبيل أو شَرِب الخمر أو لَعِب المَيْسِر أو تابع قومه فى عبادة الأصنام أو التضحية لها أو عُرِف عنه الكذب مثلا، أكان قومه يسكتون عن ذلك؟ إن كل ما قالوه فى بشريته لا يتعدى إنكارهم عليه أنه كان يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق وأن له زوجا وذرية، إذ كانوا يريدونه مَلَكًا لا بشرا، وهذا كل ما هنالك، فهل يصح أن يقول مسلم فى الرسول ما لم يقله المشركون؟

ولْيلاحظ القارئ أننى قد تجنبت الخوض فى الجدال النظرى البحت حول عصمته صلى الله عليه وسلم وسلكتُ، بدلا من ذلك، المنهجَ التاريخى والنفسى واستنطقتُ النصوص ذاتها فلم يصادفنا، لا فيما وصلنا عن سيرته ولا فى الآيات التى تحدثتْ عنه أو إليه، أىٌّ من تلك الذنوب المزعومة. ثم هل كان من الممكن أن يصفه القرآن رغم ذلك بأنه "على خُلُقٍ عظيم" كما جاء فى الآية الخامسة من سورة "القلم"؟

كذلك لو كان داود عليه السلام قد صنع بأوريا هذا الذى ادُّعِىَ عليه أكان الله سبحانه تارِكَه دون مؤاخذة، وهو الذى عرَّض يونسَ عليه السلام لتلك التجربة المرعبة المؤلمة، تجربة ابتلاع الحوت له وبقائه فى بطنه أياما وليالى، لمجرد غضبه من قومه وإباقه إلى الفلك المشحون بسبب صلابة رقابهم ولجاجهم فى الكفر والطغيان؟ إن التآمر على قتل إنسان برىء طمعا فى زوجته الجميلة ليس بالأمر الهين الذى يمكن أن تُعَدِّىَ عنه السماء بمثل هذه البساطة، وإلا فالعفاء على الأخلاق بل على النبوة ذاتها! والمضحك فى الأمر أن من قبلوا من علماء المسلمين على داود هذه الدعوى السخيفة بل المجرمة كانوا حرصاء فى ذات الوقت على أن يبرئوه من تهمة الزنا، وكأن قتل الأبرياء بدم بارد وتخطيط مسبق ودون خالجة من ضمير ليس بشىء بجانب هذه التهمة!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير