تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[04 Jan 2006, 02:52 م]ـ

فى القرآن نصوص كثيرة تتحدث عن معجزاتٍ وقعت على يد عدد من الأنبياء والرسل، وفيه أيضا آيات أخرى تقول لمشركى مكة، الذين كانوا يتعنتون على الرسول صلى الله عليه وسلم مطالبين إياه أن يأتيهم ببعض المعجزات كما كان يفعل الأنبياء السابقون، إن المعجزات لم تُجْدِ مع الأمم الخالية، إذ ظلوا على كفرهم رغم وقوع ما طلبوه منها. ومع هذا فإن بعض المفسرين فى العصر الحديث قد درجوا على تأويل هذه المعجزات بما يُخْرِجها عن إعجازيتها ويُلْحِقها بالحوادث المعتادة التى تخضع لقوانين الطبيعة المطردة، ومن هؤلاء الأستاذ محمد أسد. وقد سبقه إلى هذه الخطة المفسرون القاديانيون مثل مولاى محمد على وملك غلام فريد فى ترجمتيهما التفسيريتين للقرآن الكريم إلى الإنجليزية. ولعل مولاى محمد على هو الوحيد الذى ورد اسمه فى ترجمة محمد أسد من بين المفسرين غير العرب، ولهذا دلالته، وإن كان الحق يوجب أن نقول إن أسد لا يذهب مذهب القاديانيين فى فتح باب النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم، إذ يؤكد أنه هو آخر الأنبياء، فلا نبى بعده.

ونبدأ الكلام فى تأويل أسد للمعجزات بما قاله فى معجزة إبراهيم عليه السلام. لقد ذكر القرآن المجيد فى ثلاثة مواضع منه تهديد قومه له بتحريقه فى النار وأن الله أنجاه من كيدهم. وإذا كانت العبارة فى موضعين من هذه الثلاثة لا تحدِّد أَأُلْقِىَ خليلُ الله فى النار فعلا أم لا، فإن الموضع الثالث، وهو الآيتان 68 - 69 من سورة "الأنبياء"، واضح الدلالة فى أنه قد أُلْقِىَ فيها لكن الله منعها من إحراقه، وذلك فى قول رب العزة: "قالوا (أى قومه عليه السلام): حَرِّقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين* قلنا: يا نارُ، كُونِى بَرْدًا وسلاما على إبراهيم". بَيْدَ أن محمد أسد يقول تعليقا على هاتين الآيتين إنه "لم يحدث أَنْ ذَكَر القرآن فى أى موضع منه أن إبراهيم قد أُلْقِىَ بجسده فعلا فى النار وبقى حيا فيها، بل إن قوله تعالى فى الآية 24 من "العنكبوت"، على العكس من ذلك، يشير إلى أنه لم يُلْقَ فى النار. وفضلا عن هذا فبمستطاعنا تتبع مصدر القصص الكثيرة المستفيضة والمتعارضة التى طَرَّزَ بها المفسرون القدامى تفسيرهم للآية التى نحن بصددها، فى الخرافات التلمودية، ومن ثم فمن الممكن أن نلقى بها دُبْرَ آذاننا. أما ما يقوله القرآن هنا وكذلك فى آية "العنكبوت" والآية 97 من "الصافات" فلا يزيد، فيما يبدو، عن أن يكون إشارة رمزية إلى نار الاضطهاد التى كان على إبراهيم أن يقاسيها والتى ستصبح بعد ذلك، بسبب عنفوانها، مصدر قوة روحية وسلام باطنى له".

ولنا على هذا الكلام كلام مثله: فأولا ليس فى القرآن البتةَ ما يدل على أن خليل الرحمن لم يُقْذَف به فى النار، وإلا لكذَّب القرآن بعضُه بعضًا، فإن آية "الأنبياء" تقول بصريح العبارة إنه سبحانه قد أمر النار أن تكون "بردا وسلاما على إبراهيم" بما يدل على أنه قد ألقى فيها فعلا، لكنه سبحانه سَلَبَ عنها خاصّية الإحراق. وعلى أية حال فها هى ذى آية "العنكبوت" أضعها مرة أخرى تحت بصر القارئ ليحكم بنفسه، إذ تقول: "فما كان جوابَ قومه إلا أن قالوا: اقتلوه أو حرِّقوه، فأنجاه الله من النار"، فهل يرى القارئ الكريم فيها أن قومه عليه السلام لم ينفذوا فعلا ما عزموا عليه؟ ألا يوافقنى على أن هذه الآية مظلومة؟ ومثلها آيتا "الصافات"، وهذا نصهما: "قالوا: ابنوا له بنيانا فأَلْقُوه فى الجحيم* فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين". إذن فنحن أمام نصوص قرآنية ثلاثة: اثنان منها لا يقولان إن إبراهيم لم يلق به فى النار، وثالثها يقول، وإن كان بطريق غير مباشر، إنه قد قُذِف به فيها لكن الله جردها من طبيعتها المحرقة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير