تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إن الأستاذ أسد يصنِّف النصوص القرآنية التى تتحدث عن معجزات الأنبياء ضمن الآيات المسماة بـ "المتشابهات" (حسبما ورد فى الآية السابعة من سورة "آل عمران") وهى الآيات التى تحتاج إلى تأويل [21]. وقد نسى أن القرآن قد قال فى تلك الآية ذاتها: "فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاءَ الفتنة وابتغاءَ تأويله". وإنى لأتساءل: هل تلك الآيات هى فعلا من متشابهات القرآن؟ فأين الدليل إذن؟ وإذا كانت، فهل تنبه أسد إلى مغزى ما قالته آية "آل عمران"؟ ألا يرى أنها تدين صنيعه إذ يحاول تأويلها؟ إننى أفهم أن تكون آيات الصفات مثلا من المتشابهات، فإنها تتحدث عن جانب من عالم الغيب الذى لا نستطيع الخوض فى مياهه، أما الآيات الخاصة بالمعجزات فتروى حوادث تاريخية لا غيب فيها بهذا المعنى ولا متشابهات.

ولقد أورد علماء القرآن فى تفسير المتشابه من القرآن آراء متعددة ليس من بينها المعجزات، فقالوا: المتشابه ما استأثر الله بعلمه كقيام الساعة وخروج الدجال والحروف المقطَّعة فى أوائل السور، أو هو ما لم يتضح معناه، أو ما احتمل من التأويل أوجها متعددة، أو لم يستطع الإنسان أن يصل إلى وجه الحكمة فيه كعدد الصلوات مثلا واختصاص الصوم برمضان، أو ما لا يمكن فهمه إلا بردّه إلى غيره من المُحْكَم المفهوم، أو هو القصص والأمثال، أو هو المنسوخ ... وهكذا [22]. فإذا قال القرآن المجيد إن هذا النبى أو ذاك قد جاء بالآية الفلانية، فما الذى فى هذا الخبر مما يمكن أن يكون متشابها لابد من تأويله لأنه لم ينزل ليُفْهَم على ظاهره؟ كما قلت فإن الحجة الوحيدة التى يمكن أن يتحجج بها من يبتغون تأويل تلك الآيات هى خرق المعجزة لنواميس الكون، وهذه مسألة قد فرغنا منها وبينّا أنها ليست بالحجة بأية حال. ثم إننا قد رأينا أيضا التعسف الذى يعالج به الأستاذ أسد الآيات المذكورة كى يُكْرِهها على النطق بما يريده هو لا بما تدل عليه هى. وقد احتكمتُ فى ذلك إلى الأسلوب القرآنى ذاته فتبيَّن لنا، كما رأى القارئ بنفسه، أن ما يقوله المفكر النمساوى لا يتسق مع ذلك الأسلوب، فضلا عن تعارضه مع آيات أخرى تؤكد مبدأ المعجزات النبوية، ودعنا من مناقضة الفكرة التى يستميت فى الدفاع عنها للمنطق السليم.

ورغم ذلك كله فإنه، فى ترجمته لـ "صحيح البخارى" قبل ذلك ببضع عشرات من السنين، قد ترجم كلمة "آية" بـ " a miracle"، وذلك فى حديث انشقاق القمر، بل إنه لم يحاول البتة تأويل هذه المعجزة بما يخرجها عن إعجازيتها كما فعل فى تفسيره لآيات القرآن الكريم [23]، لكنه فى ذات الوقت، عند تناوله لحادثتى الإسراء والمعراج كما وردتا فى "صحيح البخارى"، قد استمات فى إثبات أنهما حادثتان روحيتان لا جسديتان، وإن أكد مع ذلك أنهما حقيقتان موضوعيتان وقعتا فعلا فى العالم الخارجى ولم تكونا وهما من الأوهام أو حلما من الأحلام [24]. وأنا، فى حقيقة الأمر، لا أدرى كيف يكون ذلك!

-- الحواشي--

[18] النمل/ 19.

[19] ص 427 - 428، هـ 71.

[20] انظر "تهافت الفلاسفة" للإمام الغزالى/ تحقيق د. سليمان دنيا/ ط 6/ دار المعارف/239 - 140، وكذلك ص 44 - 45 من مقدمة المحقق، و"قصة الفلسفة الحديثة" لزكى نجيب محمود وأحمد أمين/ ط 6/ مكتبة النهضة المصرية/ 1403هـ-1983م/ 156 - 158، و"أثر العرب فى الحضارة الأوربية" للعقاد / ط 8/ دار المعارف/ 100 - 101، و"موسوعة الفلسفة" للدكتور عبد الرحمن بدوى/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت/ 1984م/ 2/ 615 - 616.

[21] انظر ص 989 وما بعدها تحت عنوان " Symbolism and Allegory in the Qur’an"

[22] انظر "الإتقان فى علوم القرآن" للسيوطى/ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم/ ط 3/ مكتبة دار التراث/ 1404هـ- 1984م/ 3/ 3 - 5.

[23] انظر المتن والهامش فى Sahih al-Bukhari- The Early Years of Islam, PP. 172- 173.

[24] المرجع السابق/ ص 184 وما بعدها/ هـ 4.

ـ[إبراهيم عوض]ــــــــ[04 Jan 2006, 03:03 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير