تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وقوانين جديدة، فأهل الجنة مثلا سيَغْدُون شبابا خالدين لا يعرفون الهَرَم أبدا كما جاءت بذلك نصوص القرآن والحديث. ثم ينبغى ألا ننسى أن كلا منا ليست له فقط روح واحدة، بل أرواح متتابعة بعدد اللحظات التى مرت به مثلما هو الحال فى الأجساد أيضا، إذ إن التغير لا يعترى الأجساد وحدها، بل الأرواح معها.

والواقع إن فى إنكار بعث الأجساد لَصَدًى من إنكار الكافرين بالبعث بوجه عام، فقد كانوا يستغربون أن يبعث الله البشر بعد أن تكون عظامهم قد بَلِيَتْ واختلط رفاتهم بالتراب، ويقولون مستهزئين: "أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون؟ "، "أإذا ضللنا فى الأرض أإنا لفى خلق جديد؟ "، "مَنْ يُحْيِى العظام وهى رميم؟ ". ولقد كان رد القرآن عليهم: "قل: يُحْيِيها (أى يحيى العظام الرميم) الذى أنشأها أول مرة" [65]، "أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه؟ * بَلَى قادرين على أن نُسَوِّىَ بَنَانه" [66].

وإن آيات مثل "منها (أى من الأرض والتربة) خلقناكم، وفيها نعيدكم، ومنها نخرجكم تارة أخرى" [67]، "ونُفِخَ فى الصُّور، فإذا هم من الأجداث إلى ربهم يَنْسِلون" [68]، "وإذا القبور بُعْثِرَتْ* علمتْ نفسٌ ما قَدَّمَتْ وأَخَّرَتْ" [69]، "وقالوا (أى الكافرون): أإذا كنا عظامًا ورُفَاتًا أإنا لمبعوثون خَلْقًا جديدا؟ * قل: كونوا حجارة أو حديدا* أو خَلْقًا مما يَكْبُر فى صدوركم. فسيقولون: من يُعِيدنا؟ قل: الذى فطركم أول مرة" [70]، "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" [71]، "ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاسْتَبََقُوا الصراط، فأنَّى يبصرون؟ " [72]، "وتَرَى كلَّ أمة جاثية. كلُّ أمة تُدْعَى إلى كتابها: اليوم تُجْزَوْن ما كنتم تعملون" [73] لتبرهن على أن البعث سيكون بالأجساد أيضا. وبالمثل فإن آياتٍ مثل "من ورائه جهنم، ويُسْقَى من ماءٍ صديد * يتجرعه ولا يكاد يُسِيغه" [74]، "ولهم (أى للكافرين) مقامعُ من حديد" [75]، "كلما نضجتْ جلودهم بدَّلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب" [76]، "إنها (أى شجرة الزقوم) شجرة تخرج فى أصل الجحيم* طَلْعُها كأنه رؤوس الشياطين* فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون* ثم إن لهم عليها لَشَوْبًا من حميم" [77] لَتُثْبِت أن للأجساد فى عذاب النار نصيبا. كذلك فإن آياتٍ مثل: "فيها (أى فى الجنة) ما تشتهيه الأنفسُ وتَلَذُّ الأعينُ" [78]، "هم وأزواجهم فى ظلال، على الأرائك متكئون" [79]، "لهم جنّاتُ عَدْنٍ تجرى من تحتهم الأنهار يُحَلَّوْنَ فيها من أساورَ من ذهب ويلبسون ثيابًا خُضْرًا من سندسٍ وإستبرق"، "على سُرُرٍ موضونة* متكئين عليها متقابلين* يطوف عليهم وِلْدَانٌ مخلَّدون* بأكوابٍ وأباريقَ وكأس من مَعِين* ... * وفاكهةٍ مما يتخيَّرون* ولحمِ طيٍر مما يشتهون* وحور عِين* كأمثال اللؤلؤ المكنون" [80] وغيرها من الآيات المماثلة لتدل على أن حظوظ الجسد ستكون مَرْعِيَّة ومتاحة فى نعيم الآخرة. ويؤكد ذلك أن القرآن الكريم يذكر إلى جانب هذا أيضا "السلام" [81] و"الرضوان الإلهى" [82] و"خلو القلوب من الغل" [83] ... إلخ مما يدل على أنه سيكون هناك هذا وذاك ما دام القرآن قد ميز بين الأمرين، وإلا لَذَكَر هذه المتع الروحية الأخيرة فقط.

إن هذه النزعة المتقززة من لذائذ الجسد هى نزعة غريبة عن الإسلام، وينبغى وضع حد لها [84]. وإنى لأتوجه إلى ضمائر القراء الصادقين سائلا: أيُّكم يجد فى متع الطعام والشراب واللبس واللمس والنظر والشم والجنس ما يبعث فعلاً (لا ادعاءً) على الاشمئزاز؟ فما بالنا إذا صَفَتْ هذه اللذائذ من كل ما يعكرها وأصبحت متاحة لنا دائما دون أن يصحبها شعور بالملل أو الكظّة أو المَغْص، أو يحتاج الإنسان معها إلى جُشَاء أو تبوُّل أو تبرز؟ إن هذا غاية المنى، وهو الذى تَحْفَى أقدام البشر خلف أقل القليل منه هنا على الأرض دون بلوغه! أفإن أتاحه الله لنا ركب بعضَنا شيطانُ العناد السخيف وشَمَخَ بأنفه قائلا: هذه لذاتٌ وضيعة؟ ترى ماذا بالله فى أن يعود الواحد منا شابًّا شبابا دائما فلا يشكو نَصَبًا ولا أَيْنًا ويَلْقَى كل ما كان يشتهيه فى الدنيا بين يديه صافيا نقيا من كل شائبة وعلى أحسن وضع مما لا يمكننا تصوره تماما الآن بعقولنا المحصورة داخل تجارب الدنيا وظروفها؟ ورب الكعبة إن هذا لهو البطر بعينه!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير