تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إصبع الإٍتهام إلى قصة السامرىّ كما وردت فى القرآن قائلين إن مدينة السامرة لم تظهر فى التاريخ إلا بعد السامرى بقرون، فكيف يُنْسَب السامرىّ إليها قبل أن توجد؟ وقد قدمت طائفة من المفسرين والمترجمين المسلمين عددا من الردود المفحمة على هذا الاعتراض الأهوج، ومن بينهم أبو الأعلى المودودى ومحمد حميد الله مما يمكن القارئ أن يجده مبسوطا مفصلا فى كتابى "سورة طه - دراسة لغوية أسلوبية مقارنة" فى الفصل الخاص بالمقارنة بين قصة موسى فى القرآن والعهد القديم. والرأى الذى تبناه أسد هنا هو أحد الآراء التى طرحها أولئك المفسرون المسلمون، وبالذات حميد الله.

ومثل ذلك تماما قول أسد إن هامان المذكور فى عدة مواضع من القرآن الكريم بوصفه أقرب مستشارى فرعون إليه ليس هو هامان الذى يتحدث عنه سفر "أستير" فى العهد القديم. وهو يرى أن اسم كبير مستشارى فرعون ليس "اسم علم" بل "اسم جنس" بمعنى "كاهن آمون: Ha-Amen"، إذ كانت عبادة آمون سائدة إبّانئذ فى مصر. ويقوِّى هذا الرأىَ عنده أن فرعون قد طلب منه أن يبنى له صرحا يصعد فيه إلى السماوات ليطَّلع إلى إله موسى، مما يمكن أن يكون إيماء إلى وظيفة كبير الكهنة بوصفه كبير مهندسى المبانى فى ذلك الحين [118]. والملاحظ أن أسد قد اجتزأ هنا أيضا بهذا الذى ذكرناه دون أن يتطرق بشىء إلى خلفية الموضوع. والواقع أنه ليس بين القرآن والعهد القديم تناقض بالضرورة فى هذه المسألة، فوجود "هامان" فى بلاد فارس على أيام الملك أحشويرش لا يمنع من وجود "هامانٍٍ" آخر قبل ذلك فى بلاد الأهرام. من هنا فإن ما قاله أسد فى هذا الموضوع لا يدخل فى باب المقارنة بين الكتابين لأنهما لا يتكلمان عن ذات الشخص، بيد أن فريقا من المستشرقين أَبَوْا كعادتهم إلا أن يثيروها جَذَعَة فيتهموا القرآن الكريم بأنه يخلط بين الفترات والشخصيات التاريخية المختلفة بما يدل على أنه مجرد معلومات استقاها محمد من هنا ومن ههنا ممن لا علم لهم بما يتحدثون عنه، وليس وحيا إلهيا. فإشارة أسد هى رد غير مباشر على أولئك المستشرقين [119].

والمسألة الأخرى هى قوله إن الذبيح فى قصة خليل الرحمن المعروفة هو إسماعيل عليه السلام [120]، وذلك رغم أن القرآن لم يصرح بذلك بل ترك المسألة غُفْلاً، وإن كانت هناك إشارات فى آيات سورة "الصافات" التى تتحدث عن هذه المسألة وفى مواضع أخرى من القرآن تومئ بقوة إلى أن الذبيح هو فعلا إسماعيل، لا إسحاق كما يقول اليهود رغم ما جاء فى كتابهم من أن الله كان قد أمر إبراهيم أن يضحى بابنه الوحيد [121]، وهو ما لا يمكن أن يَصْدُق إلا على إسماعيل، إذ ظَلَّ عليه السلام هو ابن إبراهيم الوحيد عدة سنوات قبل أن يرزقه الله بعد ذلك بإسحاق، الذى لم يكن وحيد أبيه فى يوم من الأيام. على أنه ينبغى المسارعة إلى القول بأن علماء المسلمين غير مُجْمِعين على أنه هو إسماعيل [122]. فنص أسد فى ترجمته إذن، وهو اليهودى الأصل، على أن الابن الذى أمر الله سبحانه نبيه إبراهيم بالتضحية به هو إسماعيل لا إسحاق هو من الأهمية بمكان وثيق.

وبطبيعة الحال فإن موقف أسد من العهد القديم فى مثل هذه المواضع إنما هو الموقف الطبيعى والمنطقى، إذ هو مسلم، والمسلم يؤمن بأن كتاب اليهود والنصارى قد أصابه التحريف والعبث: يؤمن بذلك من خلال الدراسات التى خضع لها الكتاب المقدس، كما يؤمن به من خلال آيات القرآن المتكررة التى تؤكد وقوع هذا التحريف. وقد تبيَّن ذلك بكل جلاء فى تفسيره لوصف المولى سبحانه لقرآنه بأنه قد أنزله بالحق "مصدِّقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه" [123] بأن القرآن هو المعيار الذى تقاس به صحة كتب اليهود والنصارى [124]. ومع ذلك فإن بعض الدارسين يفهم، من إشارة القرآن الكريم إلى هيمنته على الكتب التى قبله، أن المقصود هو شهادة لها بالحفظ من التحريف والتبديل. وقد فسرها د. محمد عمارة بما يعنى أن القرآن مُؤْتَمَن على تلك الكتب أو شاهد على صدقها [125]. وفى "تفسير المنار" نجد محمد رشيد رضا، رحمه الله، ينبه بقوة إلى هذا الخطإ مؤكدا عدم اتساقه مع ما يقوله القرآن المجيد فى هذا الصدد [126].

-- الحواشي--

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير