تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لطفى جمعة بقيمة الكتاب المقدس من ناحية الوثاقة التاريخية التى لا يستحقها، فضلا عن أن ذكر إبراهيم لوالده مع المؤمنين لا يدل على أنه كان مؤمنا مثلهم، بل كل ما فى الأمر أنه عليه السلام، بعد أن بُحَّ صوته فى محاولة هدايته، قال له: "سلام عليك! سأستغفر لك ربى ... " [107]، وهو ما أشار إليه القرآن فى قوله جل جلاله: "وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إياه، فلما تبيَّن له أنه عدو لله تبرَّأ منه" [108]. ثم إن العهد القديم ليس بالحجة التى يصح الاعتماد عليها، وبخاصة إذا قام تعارض بينه وبين القرآن [109]. وبالمناسبة فقد أشار أيضا كل من سيل ورودويل، وهما من مترجمى القرآن إلى الإنجليزية، إلى أن يوزبيوس يسمى والد إبراهيم: "آثر"، كما ذكر محمد حميد الله العالم الهندى الذى ترجم القرآن إلى الفرنسية أن "تارح" تكتب باليونانية: " Thara كما قد تكتب أيضا: " Athar"، وأنه من هنا جاءت "آزر" [110]. وأغلب الظن أن محمد أسد قد رجع إلى هؤلاء وهو يُعِدّ ترجمته التى بين أيدينا.

وفى حادثة الطوفان نجد كاتبنا يعلن موافقته لمولاى محمد على (القاديانى) على أن رواية القرآن التى تقول إن ذلك الطوفان لم يغرق الأرض كلها بل جزءا منها فقط هى الرواية الصحيحة، إذ جاء فيه قول رب الجلال: "وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا" بما يعنى أنه لم يشمل كل أرجاء المعمور بل أغرق المكذبين من قوم نوح فحسب، على عكس ما نقرؤه فى العهد القديم من أنه شمل الدنيا جميعا وأهلك كل شىء فيها [111].

ولأسد فى هُود عليه السلام رأىٌ لستُ أستطيع أن أذكر أنى لقِيتُه عند أحد غيره، وهو أن ذلك النبى الكريم قد يكون هو النبى "عابر" المذكور فى سفر "التكوين" وأن أصداء اسمه موجودة فى اسم "يهوذا" ابن يعقوب عليه السلام. ذلك أن من المحتمل عنده أن يكون "هُود" هو الأب الأول للعبرانيين، وأن تكون معظم القبائل السامية، بما فيها العبرانيون أنفسهم، قد نزحت من جنوب الجزيرة العربية [112].

ويكتفى كاتبنا، عند المقارنة بين رواية العهد القديم والقرآن الكريم لموقف هارون من عبادة بنى إسرائيل للعجل، بالإشارة إلى الخلاف الحاد بينهما دون أن يبدى رأيه فى الرواية اليهودية التى تَنْسُب إلى هارون عليه السلام أنه هو الذى صنع العجل لقومه كى يعبدوه وأنه شاركهم أيضا فى هذه العبادة [113]. ونفس الشىء يفعله عند تعليقه على قول القرآن عن موسى، حينما عاد فوجد قومه يعبدون العجل، إنه "ألقى الألواح" (أى ألواح الشريعة التى تلقاها من ربه على الجبل)، وهو القول الذى يخالف ما جاء فى العهد القديم من أن موسى إنما "كسر اللوحين" ولم يرمهما فقط [114]، وكذلك فى معجزة يد موسى إذ وُصِفَتْ يده فى العهد القديم بأنها بيضاء من البَرَص، أما فى القرآن فهى "بيضاء من غير سوء" كما جاء فى الآية 22 من "طه" [115]. وبالمثل نراه يشير إلى الخلاف بين رواية القرآن الكريم لموقف يعقوب عليه السلام من رؤيا يوسف التى رأى فيها نفسه وقد سجدت له الشمس والقمر وأربعة عشر كوكبا، وبين رواية العهد القديم للموقف ذاته، إذ بينما يذكر القرآن أن يعقوب قد فهم دلالة الحلم على أن يوسف سيصبح ذا سلطان وأن أبويه وإخوته سينحنون له، نرى كِتَاب اليهود، على العكس من ذلك، يُنْطِق الوالدَ بعبارات التوبيخ للابن بما يُفْهَم منه أن الرؤيا لم تكن فى نظره إلا انعكاسات لرغبة يوسف الكامنة فى نفسه فى التسلط عليه وعلى أمه وإخوته. وقد اكتفى أسد بذكر هذا الخلاف دون أن يعقب بشىء [116].

بقيت مسألتان مهمتان تتصلان بهذا الموضوع، وإن لم تدخلا فى صميمه: الأولى قول محمد أسد إن "السامرى" المذكور فى قصة موسى من سورة "طه" قد يكون اسمه مأخوذا من الاسم المصرى القديم: " Shemer" بمعنى "الغريب"، ثم أُخِذ منه اسم طائفة السامرية الذين ظهروا فيما بعد بين بنى إسرائيل. وقد يؤكد مصريةَ السامرى، كما يقول، أنه هو الذى اتخذ العجل لبنى إسرائيل تأثرا بعبادة العجل أبيس فى بلاده التى خرج منها مع اليهود [117]. وهذا النقطة تحتاج إلى فضل بيان لأن أسد قد اكتفى بلمسها لمسا دون أن يطلعنا على الأسباب التى حملته على إثارتها فى ترجمته. وحقيقة الأمر أن المستشرقين والمبشرين، كعادتهم فى المسارعة الفِجَّة إلى اتهام النص القرآنى بأنه من تأليف محمد عليه السلام، قد صوبوا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير